سلطت منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، في تقريرها السنوي الذي أصدرته، الأربعاء، على انتهاك الزعماء والدول والكيانات مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي في مواجهة الصراعات المتعددة، وعلي رأسها الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة.
وذكرت المنظمة في تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في العالم للعام 2023 ، أن الكثير من الدول التي وصفتها بـ”القوية” ارتكبت أفعالا عمقت معاناة المدنيين في الصراعات المسلحة “وكأنهم بلا قيمة ولا بأس في فنائهم”، ومنها إسرائيل، والولايات المتحدة، وروسيا، وطرفي الصراع في السودان.
ووفقا للمنظمة، أدت مخالفة القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضا بقوانين الحرب، والتحايل عليه إلى عواقب جسيمة على المدنيين. وفي كثير من الصراعات، اعتمدت القوات الحكومية على شن هجمات برية وجوية بعيدة المدى على مناطق مأهولة بالسكان، مستخدمة في ذلك أسلحة تمتد آثارها على مساحة واسعة. وأسهم ذلك إلى حد بعيد في إيقاع خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وإلحاق دمار واسع بالمنازل والبنية التحتية.
وانتقد التقرير الهجمات التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي أسفرت عن “خسائر بشرية هائلة في صفوف المدنيين”، فضلا عن التدمير واسع النطاق للمنشآت المدنية بالمخالفة لمعايير القانون الدولي، وذلك بخلاف ما تحاول تصويره للعالم.
وذكر التقرير أنه “بحلول نهاية العام الماضي، كان القصف الإسرائيلي المستمر بلا هوادة والهجوم البري على القطاع قد أسفر عن مقتل 21,600 فلسطيني، بحسب ما ذكرته وزارة الصحة في غزة، ثلثهم من الأطفال”.
وتحدثت المنظمة عن الأدلة المتزايدة على ارتكاب إسرائيل لما وصفته بـ”جرائم الحرب” في غزة، موضحة أن القوات الإسرائيلية قصفت مخيمات اللاجئين المكتظة والمباني السكنية، وأبادت عائلات بأكملها المرة تلو الأخرى، ودمرت المستشفيات، والمدارس التي تديرها الأمم المتحدة، والمخابز، وغيرها من منشآت البنية التحتية الحيوية.
وتطرق التقرير إلى رواية إسرائيل عن إخلاء وشمال غزة، موضحة أن “القوات الإسرائيلية صاغت أوامر إخلاء شمال غزة على أنها بمثابة تحذيرات واحتياطات، لكنها في واقع الأمر هجـّـَرت قرابة 1.9 ًمليون فلسطيني من ديارهم قسرا (83% من إجمالي سكان غزة البالغ تعدادهم 2.3 مليون).
وسلطت “أمنيستي” الضوء على ما وصفته بـ”الحصار غير القانوني المستمر لغزة”، مشيرة إلى أن إسرائيل “حرمت المدنيين في غزة عمدا من المساعدات الإنسانية”.
وانتقدت المنظمة “تصاعد نبرة الخطاب العنصري الذي يجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم من جانب بعض المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، ما يمهد الطريق إلى وقوع إبادة جماعية”.
وانتقد التقرير الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية بسبب التأييد العلني لأفعال إسرائيل، فضلا عن استمرار بعض الدول، ولا سيما واشنطن، في تزويد إسرائيل بأسلحة تستخدم في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وهو ما تنفيه واشنطن.
وفي الوقت ذاته، انتقدت المنظمة ما فعلته حركة حماس في هجوم السابع من أكتوبر، بدعوى مقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي طويل الأمد، سواء من تعمد قتل المدنيين في إسرائيل، أو أخذ الرهائن، أو إطلاق الصواريخ.
وذكرت المنظمة أن الكثير من وسائل الإعلام والسياسيين في العديد من الدول الغربية استخدمت خطابا عنصريا في بعض الحالات، وكثيرا ما جرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وخلط بين المسلمين والإرهابيين وكأنهم سواء.
كما يسلط التقرير الضوء على الازدواجية البشعة في معايير بعض البلدان الأوروبية مثل المملكة المتحدة وألمانيا، بحيث تعبر عن احتجاجها الوجيه على جرائم الحرب من جانب روسيا وحماس، بينما تؤيد أفعال السلطات الإسرائيلية والأميركية في هذا الصراع. وانتقدت “أمنيستي” حكومات ألمانيا، وبولندا، وسويسرا، وفرنسا، التي منعت أي مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في عام ٢٠٢٣.
وفي السياق نفسه، علق التقرير على ازدياد جرائم الكراهية المعادية للسامية والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة خلال العام الماضي، موضحا أنه فاقم بشكل مثير للقلق من دعوات التحريض وغيرها من أشكال المحتوى الضار على الإنترنت ضد الجاليات الفلسطينية واليهودية على نطاق أوسع.
وتحدث التقرير عن عجز المؤسسات الأممية في تنفيذ القانون الدولي، موضحا أن مجلس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فشل اتخاذ إجراءات فعالة بشأن الصراعات الكبرى. وكعادتها، لجأت الولايات المتحدة لاستخدام حقها في النقض (الفيتو) مرات عديدة كسلاح لمنع ًالمجلس من الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وأعطت “أمنيستي” المزيد من الأمثلة على معاناة المدنيين في صراعات أخرى حول العالم خلال عام 2023، موضحة أن القوات الحكومية والجماعات المسلحة تجاهلت القانون الدولي الإنساني في الصراعات المسلحة الدائرة في إثيوبيا، وأفغانستان، وبوركينا فاسو، وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وسوريا، والصومال، والكاميرون، وليبيا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، واليمن، حيث تحمل المدنيون القسط الأكبر من ويلات الهجمات العشوائية.
وفيما يتعلق بالصراع السوداني، ترى المنظمة أن الطرفين المتحاربين، وهما القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم، ينتهكان القانون الدولي الإنساني من خلال شن هجمات مستهدفة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وسط أحياء مكتظة بالسكان.
وأوضحت أنه منذ اندلاع القتال بين الطرفين في أبريل 2023 وحتى نهاية العام، قُتل أكثر من 12,000 شخص، وصار أكثر من 5.8 مليون شخص آخرين في عداد النازحين داخليا، فيما لاذ نحو 1.4 مليون شخص بالفرار إلى خارج السودان وصاروا في عداد اللاجئين.
كما شنت قوات الجيش الميانماري والميليشيات الموالية لها هجمات على المدنيين أدت إلى مقتل أكثر من 1,000 منهم خلال عام 2023 وحده. ولم تستجب الحكومتان الروسية والميانمارية للتقارير التي تتحدث عن انتهاكات صارخة، ولم تُبدِ أي التزام بإجراء تحقيقات بشأنها. وتلقت كلتا الحكومتين دعمًا ماليًا وعسكريًا من الصين.
وأشار التقرير إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي كان سمة رئيسية لبعض هذه الصراعات. وأعطت المنظمة أمثلة على ذلك بما ارتكبه بعض جنود قوات الدفاع الإريترية عندما خطفوا ما لا يقل عن 15 امرأة، واحتجزوهن قرابة ثلاثة أشهر في معسكر تابع للجيش بإقليم تيغراي الإثيوبي، حيث اغتصبوهن. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أفادت الأنباء بوقوع أكثر من 38,000 حالة عنف جنسي في إقليم نورد كيفو وحده خلال الربع الأول من عام 2023.
وذكر التقرير أنه كانت النظرة الإقصائية للبعض على أسس إثنية باعتبارهم ضمن “الآخر” المختلف من السمات السائدة في الصراعات المسلحة في بلدان مثل إثيوبيا، والسودان، وميانمار.