تعمل ميليشيا الحوثي الانقلابية على تنفيذ خطوات متسارعة ومتتابعة لإغراق السكّان في المناطق الخاضعة لسيطرتها في وحل الخطاب الطائفي إلى شحمة الأذن، وآخر تلك الخطوات إلزام المكتبات التجارية ببيع كتبها الدينية والفكرية والترويج لها.
وعادة ما تقوم الميليشيا، الموالية لإيران، فور سيطرتها على منطقة في اليمن بإتلاف محتويات المكتبات الموجودة فيها، سواء كانت مكتبة عامة حكومية أم أهلية أم ملحقة بأحد المساجد، أو كانت ملكًا شخصيا، وبالأخص إذا كان مالكها من المخالفين للأفكار الحوثية الشيعية الاثني عشرية على غرار شيعة إيران والعراق ولبنان.
وقالت مصادر محلّية في العاصمة صنعاء لوكالة الانباء اليمنية(سبأ)"إن ميليشيا الحوثي داهمت المكتبات التجارية، وعنّفت ملّاكها لأن مكتباتهم خالية من مؤلفات المرجعيات الدينية الشيعية، والكتب التي تروّج للفكر الطائفي وتمجّد رموز السلالة الهاشمية في اليمن".
وأضافت المصادر التي فضلّت عدم الكشف عن هويّتها لأسباب أمنية" أن الميليشيا وجّهت بنزول حملة أمنية واسعة بالاشتراك مع (القسم الثقافي )التابع لها، تتولى تزويد المكتبات التجارية في صنعاء بالكتب الخاصة بها، وإلزامها بعرضها في الواجهة وترويجها، ومصادرة أي كتب تنتقد الحوثية أو مشروعها السلالي في اليمن والمنطقة".
واشار ملّاك مكتبات في صنعاء ، الى إن هذه الكتب لا تلقى رواجاً في أوساط المواطنين، وأن الميليشيا تعود باللوم عليهم وتتهمهم بالتقصير في الترويج لها، وهددت عدداً منهم بإغلاق مكتباتهم وفرض عقوبات أخرى قاسية في حال لم يلتزموا بالتوجيهات الصادرة عنها.
ولفتوا الى ان من بين الكتب التي ألزمت المكتبات بعرضها في واجهات المكاتب والاهتمام بترويجها وبيعها للمواطنين كتب وملازم طائفية لشخصيات إمامية في اليمن وفي مقدمتها كتب الهالك بدر الدين الحوثي، ومحمد بدر الدين الحوثي، والمدعو عبدالكريم أحمد مطهر، والتي تمتدح نظام حكم الإمامة البائد، وتمجّد الإمام يحيى حميد الدين، وتحاول إلصاق جرائم الإمامة التاريخية بحق اليمنيين على خصومها، ولا تخلو من العنصرية والغطرسة والتحريض على القتل وسفك الدماء، وأخرى لكتاب ومرجعيات شيعية عربية وإيرانية تبشر بالطائفية وأذرعها المسلحة في جزيرة العرب.
ويقول أكرم نبيل "إن الميليشيا الحوثية لا يمكن أن تتقبل العيش في مجتمع متنوع الأفكار والآراء والمذاهب ،ولذلك استنفرت كلَّ إمكاناتها منذ نشأتها الأولى لإنهاء الآخر، وإغلاق أي مصدر للمعرفة لا يتوافق مع أفكارها ومعتقداتها في الحياة والعبادة والموت والآخرة، سواءً كان ذلك المصدر كتاباً أو عالماً أو مدرسة أو مكتبة أو حتى متحفًا تاريخياً".
وأشار إلى ما صنعته ميليشيا الحوثي بخصومها السلفيين في منطقة دماج بمحافظة صعدة في العام 2013، وإعلانها الحرب عليهم، والتي انتهت بتهجيرهم وإحراق المكتبة الملحقة بمركز التعليم السلفي والتي تضم آلاف الكتب الدينية والعلمية..متطرقاً الى عمليات النهب والأضرار التي ألحقتها بالعديد من المكتبات الرائدة في عدن (جنوب اليمن) أثناء حربها على المدينة في العام 2015، بعد انقلابها على الشرعية الدستورية واجتياحها صنعاء في سبتمبر 2014.
وعملت المليشيا الحوثية على تدمير ونهب ومصادرة العديد من المكتبات العامة والخاصة في صنعاء وتعز، ومنها مكتبة جامعة الإيمان، ومكتبة السعيد في تعز التي تعرّضت للقصف والتدمير في يناير 2016، وتُعدُّ من أكبر المكتبات في اليمن، وتضم كتباً ثمينة ومخطوطات نادرة.
وفي يونيو 2016، استولت الميليشيا على مكتبة مركز العمراني للدراسات في صنعاء، وهي ملك مفتي الجمهورية القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني،بحجة أن فيها كتباً للوهابية والإرهابيين وداعش، وقامت بوضعها تحت تصرف القيادي المدعو (سامي شرف الدين) وهو المسؤول الثقافي للميليشيا، والذي حولها إلى مقيل للقات، وبعدها بسنة قررت ميليشيا الحوثي تأميمها، وهددت القاضي العمراني بإحراقها.
وفي يناير 2019، نهب الحوثيون مكتبة زبيد التاريخية بمدينة الحديدة، وقاموا بسرقة مخطوطات أثرية وكتب تاريخية وعلمية، ونفائس نادرة توثق لتاريخ المدينة التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، وتمثل موقعاً تاريخياً وأثرياً مهماً على مستوى الوطن العربي.
وفي فبراير 2019، أقدمت الميليشيا على إحراق مكتبة الجامع الكبير في مديرية بني بهلول بمحافظة صنعاء لأسباب طائفية، وتحتوي المكتبة على مجموعات نادرة وقيمة من أمهات الكتب والمتون، والكتب القيمة والنادرة.
وقامت المليشيا الحوثية بتزويد المكتبات العامّة ومكتبات الجامعات الحكومية بمئات الكتب والملازم والمنشورات التي تسعى من خلالها لفرض توجهاتها الفكرية الدخيلة على اليمنيين، وفي مقدمتها (دار الكتب الوطنية) بصنعاء أقدم مكتبة عامة في اليمن.
واهتمت هذه الكتب بمسألة "الولاية"، وتقصد بها ميليشيا الحوثي أن ولاية أمر المسلمين حق إلهي حصري لأبناء السلالة الذين ينتمون إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعي زعيم الحوثية أنه ينتمي إلى بيت النبوة، فيما اهتمت كتب أخرى بتحريض الشباب على قتال السعودية بوصفها "قرن الشيطان"، وبالغت أخرى في تمجيد إيران ونظام بشار الأسد وحزب الله اللبناني بزعمها أنهم حُرّاس القضية الفلسطينية.
وحذّر مراقبون من خطورة هذه الممارسات على قيم التعايش والسلم الاجتماعي والهوية اليمنية الجامعة..مطالبين بوقفة جادّة للحيلولة دون نجاح المشروع الخبيث الذي يسعى إلى احتلال اليمن واتخاذها منطلقاً نحو السيطرة على الجزيرة العربية وفقًا لادّعاء الحقّ الإلهي.
ويرى الباحث اليمني زايد جابر أن الحسم العسكري لإنهاء السيطرة العسكرية للحوثيين كلما تأخر زادت مخاطر الميليشيا وأدى إلى تفريخ جيل متعصب متسلح بهذه الأفكار الايدولوجية والسلالية والعنصرية لا يفقه شيئًا إلا ما لقن بالملازم وبمحاضن التعبية العنصرية.مشدداً على ضرورة تجريم الفكر العنصري السلالي وتحريمه دستورياً وإحياء التراث الوطني للمناضلين بدءًا برائد الفكر الوطني الهمداني، ووصولًا إلى رواد الحركة الوطنية المعاصرة "الزبيري والنعمان" وغيرهم، إلى جانب محاربة أفكار الإمامة. وأكّد أن هذه مهمة وطنية يجب القيام بها حتى لا يعود هذا الفكر تحت غطاء جديد وأسرة جديدة.
وقال إن "ما قام به عبدالملك الحوثي، لا يخرج قيد أنملة عما قام به أئمة الفكر السلالي منذ يحيى الرسي وحتى يحيى حميد الدين، فجميعهم مارسوا القتل، والتكفير، وتفجير البيوت والمساجد المخالفة مذهبيًا، ونسف كلما يعارضهم، وعبدالملك الحوثي استند على هذا التراث التكفيري والتدميري الذي مارسه الأئمة من قبله؛ ولذا يجب محاربة هذا الفكر من جذوره".