لعنة تقدم العمر.. أطباء يكشفون كيف يسرق "الزهايمر" آباءنا ولا يعيدهم.. والأرقام تثير القلق في مصر
(الناقد برس) بوابة الأهرام – داليا عطية
"غرباء في المنزل".. هذا ما يفعله مرض الزهايمر بآبائنا وأجدادنا إذ يحولهم بين ضحية وعشاها من أشخاص يمارسون الحياة الطبيعية إلى آخرين فقدوا الزمن والمكان.
لا يكتفي مرض الزهايمر بذلك، وإنما يحدث خللا في سلوك المريض فيتحول "كبار السن" إلى أشخاص لا يمتلكون القدرة على الاعتماد على النفس في أبسط أمور الحياة اليومية كالأكل والشرب واللبس وقضاء الحاجة.
عالميًا يصيب الزهايمر الإنسان بدءًا من وصوله عمر الستين إلا أن أطباء تحدثوا لـ"بوابة الأهرام" قالوا إن الشباب غير مستثنى، كما أن المرض في تزايد مستمر؛ حيث توجد حالة إصابة جديدة كل 3 ثوان، وتسجل مصر نحو 300 ألف حالة إصابة الأمر الذي دعا لتساؤلات عدة..
ما هو الزهايمر.. أسبابه.. أعراضه.. وطرق علاجه؟
الزهايمر أو داء الخرف هو مرض يهاجم خلايا المخ السليمة فيسبب لها ضمورًا يؤدي إلى تدهور في الذاكرة والقدرات العقلية، ويصيب كبار السن بدءًا من تخطي عمر الـ60 عامًا، كما أن النساء أكثر عرضة للإصابة باعتبارهم أطول عمرًا من الرجال.
طبيعة المرض
بحسب حديث الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي لـ"بوابة الأهرام" يوجد نوعان للمرض الأول يحدث نتيجة تآكل وضمور الخلايا الرمادية في المخ بسبب زيادة مادة "أستيل كولين أستيريز" أما النوع الثاني فيحدث نتيجة تصلب شرايين المخ .
أنواعه
الفرق بينهما أن النوع الأول يكون فيه المصاب فاقدًا للذاكرة على مدار الساعة، ولا يتذكر أي مواقف سواء قديمة أو حديثة، أما النوع الثاني الناتج عن تصلب شرايين المخ يكون المصاب فيه فاقدًا للذاكرة بضع ساعات في اليوم وليس طوال اليوم، كما أنه ينسى الأحداث والمواقف الحديثة فقط، لكنه يتذكر جيدًا الأحداث القديمة وبدقة عالية كطفولته مثلا أو كل ما يتعلق بالماضي، ولذلك يتعامل الكثير مع هذا النوع من مرض الزهايمر باستخفاف، حيث يعتبرون المريض يكذب عليهم فهناك من يقول: "ماما بتشتغلنا دي فاكره حاجات من 20 سنة" ولا يعلمون أنه النوع الثاني لمرض الزهايمر وهو تذكر الماضي ونسيان الأحداث القريبة .
وبحسب الدكتور جمال فرويز يفقد مريض الزهايمر إدراكه بالزمن والمكان، وقد يستيقظ من نومه باكرًا مرتديًا ملابسه متوجهًا إلي الشارع، وعندما يتساءل أحد أفراد العائلة: "إلي أين؟" يرد قائلًا : "رايح المكتب"؛ بينما هو في الواقع بالمعاش وأنهى خدمته منذ أعوام.
لعنة تقدم العمر
معاناة النسيان والتوهان وفقدان الزمن والمكان وتحول الإنسان لشخص غريب عمن حوله يواجهها الكثير؛ ففي سن الـ 65 يوجد 1% مصابون بالزهايمر في المجتمع، وفي سن الـ 70 يوجد 5% وفي سن الـ 80 يوجد 15% وفي سن الـ 85 يوجد 30%، وكلما ازداد العمر ازدادت معه نسب الإصابة بالمرض ليطارد بذلك كبار السن، ويمكننا وصفه بـ "لعنة تقدم العمر".
أسبابه
لعلك تتساءل .. ما الذي يؤدي إلي الإصابة بالزهايمر، ويجعل الإنسان يتحول فجأة من شخص طبيعي إلى آخر فاقدًا لهويته وهوية المحيطين من حوله؛ بل وليس لديه القدرة على الاعتناء بنفسه؟
يوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي أسباب الإصابة فيقول:
أولا.. العامل الوراثي والذي يتقدم أسباب الإصابة بالزهايمر.
ثانيًا.. المخدرات؛ ولذلك نجد بعض الشباب يعانون أعراض الزهايمر، بالرغم من أنه يصيب سن الستين فما فوق، إلا أن المخدرات تعجل بظهور المرض؛ لأنها تعمل على تآكل خلايا المخ.
ثالثًا.. الضغوط العصبية المستمرة والحالة النفسية، خاصة الوقوع في الاكتئاب إذ يؤثر على خلايا المخ
رابعًا.. التاريخ المرضي كوجود شخص مصاب بالسكر أو الضغط أو السمنة أو تصلب الشرايين، فأصحاب هذه الأمراض أكثر عرضة للإصابة بالزهايمر، وخاصة اصحاب الوزن الزائد لأن الدهون تتراكم على جدار خلايا المخ فتتسبب في إتلافها .
مراحله
تتطور مراحل الزهايمر لدي المصاب من نسيانه لبعض المواقف أو الأحداث ويسمي النسيان الجزئي إلي النسيان الكلي لكل من الماضي والحاضر إلي تحول المصاب لشخص آخر أو ما يسمي بالعودة للطفولة حيث لا يمكنه الاعتماد على نفسه حتى في أبسط الأشياء كتناول الطعام أو الحركة أو قضاء الحاجة وتنتهي مراحل الزهايمر بالوفاة .
الأعراض
مريض الزهايمر تظهر عليه أعراض كثير أشهرها النسيان والذي يتمثل في نسيان هوية المحيطين به وفقدانه للزمن والمكان الذي يعيش فيه، وكذلك أسماء الشوارع والطرق ووضعه الأشياء في غير موضعها الصحيح، وتكرار الجمل أثناء الحديث، وارتفاع الصوت أيضًا والصراخ.
العلاج
للأسف لا يوجد علاج لمرض الزهايمر خاصة أنه يظهر بعد اختلال وضمور خلايا المخ المسئولة عن الذاكرة، لكن الأطباء يعملون في اتجاهين الأول تقديم علاج كيميائي يساعد على تأخير مراحل تطور المرض، والثاني تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمريض، فبحسب الدكتور جمال فرويز: "مفيش علاج فعال 100%"، متابعًا: "بنحاول نأخر مراحل تطور المرض، وده إللي بيحصل في العالم كله".
الدعم النفسي
بحسب حديث الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية لـ"بوابة الأهرام" فإن الدعم النفسي والاجتماعي الذي يقدم لمريض الزهايمر قد تتفوق نتائجه على العلاج الكيميائي .
ويوضح أن مرضى الزهايمر من فئة كبار السن الذين تخطو عمر الستين وهذه الفئة العمرية بحاجة إلي رعاية خاصة وتزداد أهمية هذه الرعاية عندما يكون المسن فاقدًا للذاكرة.
وتوجد أشكال عدة للدعم النفسي الذي ينصح به المسئولين عن رعاية مرضى الزهايمر:
أولا .. عدم الاستهانة بهم عندما يخبروننا أنهم لا يتذكرون حدث ما أو موقف قريب بالرغم من تذكرهم جيدًا لأحداث مرت عليها سنوات وذلك لأن النوع الثاني من مرض الزهايمر يتذكر فيه المريض أحداث الماضي بدقة عاليه لكنه للأسف ينسي المواقف الحديثة.
ثانيًا .. الصبر عليهم حال وضعهم الأشياء في غير موضعها الصحيح، أو تكرار بعض الجمل أثناء الحديث هم لا يدعون المرض، وإنما يعانون اضطرابًا في السلوك نتيجة خلايا المخ التي تآكلت وأصابها الضمور.
ثالثًا .. يعاني مريض الزهايمر الخوف والرهاب والفزع لذلك يجب توفير إضاءة جيدة للمنزل الذي يعيش فيه.
رابعًا .. ضبط النفس حال صراخ المريض فجأة أو خوفه من أحد أفراد عائلته أو أحد أماكن المنزل أو اتهامه للبعض بالسرقه مثلا أو الإهانة كأنه يقول: "فلان عايز يسرقني" أو "فلان بيضربني ويزعقلي" .. هم لا يكذبون.
ولكن لماذا هذه التصرفات؟
الدكتور وليد هندي يوضح أن مريض الزهايمر دائمًا ما يكثر الخرف في فترة الليل، ويكثر التوهان في فترة ما بين العصر والمغرب؛ لذلك يجب التبكير بوجبة العشاء حتى ينام قبل ظهور تلك الأعراض عليه.
وينصح بوضع "إسورة" في يد مريض الزهايمر أو سلسله في رقبته وعليها الاسم والعنوان ورقم الهاتف؛ وذلك ليتمكن من العودة إلي عائلته حال نزوله الشارع دون علمهم.
هل يمكن استعادة الذاكرة ؟
بحسب الدكتور وليد هندي استشاري الطب النفسي لا يمكن أن تعود الذاكرة كما السابق وكيف تعود وخلايا الذكرة بالمخ أصابها الضمور إلا أن هناك بعض السلوكيات إذا مارسها جليس المريض ستساهم في تنشيط الذاكرة لديه كالالتفاف حوله من قبل الأهل والجيران والحديث معه عن الماضي، وذكر مواقف شاركهم إياها وعدم تركه بمفرده حتى لا يعاني الوحدة فيكفيه معاناة النسيان وفقدان هويته.
نصائح للوقاية
برغم وجود حالة إصابة بمرض الزهايمر كل 3 ثوان في العالم إلا أنه لا يوجد علاج نهائي للمرض لذا يقدم أساتذة الطب النفسي كل من الدكتور جمال فرويز والدكتور وليد هندي نصائح للوقاية من الإصابة بالمرض:
أولا .. الحفاظ على القراءة لدورها العظيم في تنشيط خلايا المخ؛ وذلك عكس الشائع بأنها تستهلك المخ، وإذا كان الشخص غير متعلم يمكن الاستعانة بأحد للقراءة له كأحد أشقائه إن كان شابًا أو أبنائه إن كان مسنًا.
ثانيًا .. ممارسة بعض الألعاب كالسودوكو والشطرنج وحل الكلمات المتقاطعة لأنها تؤدي لنفس الهدف.
أرقام تثير القلق
يعاني في مصر نحو 300 ألف مواطن حيث يصابون بالزهايمر وذلك بحسب الدكتور طارق عكاشة رئيس جمعية الزهايمر كما أنه وبحسب الإحصائيات العالمية يوجد نحو 47 مليون مصاب في العالم ومتوقع أن تزيد النسبة إلي 132 مليون بحلول عام 2050 .
المفزع في الأمر أن هذا المرض كان نادرا الحدوث أما الآن وبحسب الدكتور طارق عكاشة فأصبح في زيادة مستمرة إذ يسجل العالم حالة إصابة كل 3 ثوان .
وبرغم أن القانون يكفل حقوق المسنين صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا بحسب المادة 83 إلا أنه لا توجد حتى الآن مراكز رعاية متخصصة لمرضي الزهايمر في مصر الذين قد يتحولون بسهولة بالغة من مواطنين طبيعيين إلي آخرين بلا مآوى، فعندما يخرج مريض الزهايمر من منزله قاصدًا عمله وهو في الحقيقة فاقدًا للزمن والمكان فطبيعي أن يتوه في الشوارع، ولن يتمكن من العودة وكيف ذلك وهو فاقدًا لهويته.. في الآخير يفقد هذا المريض المأوى إلي جانب الزمن والمكان، فينضم إلي كتلة "المشردين" التي تعاني الدولة افتراشهم أرصفة الشوارع وأزقة الحواري وأبواب دور العبادة.