تصنف ثورة 14 أكتوبر المجيدة من أعظم ثورات التحرر الوطني وتأتي بعد الثورة الجزائرية سواءً في اهدافها ومبادئها وقواها المحركة ووسائلها وأدواتها النضالية وفي نتائجها على الصعيد الوطني الجنوبي من خلال نجاحها في إحداث تغيير مفصلي في حياة شعب الجنوب وفي الجنوب ذاته كجغرافيا ودولة ، عوضاً عن أثرها على الصعيد القومي العربي ، حيث تزامن إنتصارها المؤزر في 30 نوفمبر 1967م في وقت كانت الأمة العربية بحاجة الى حدث ونصر عروبي يستنهض هم الشعوب جراء مالحق بها نكسة حزيران يونيو 1967م .
وكما هي ثورتنا الجنوبية المعاصرة ، فقد مرت ثورة إكتوبر بمراحل وإرهاصات وبوسائل واشكال نضال متعددة ، إلا ان الكفاح المسلح والمنظم كان خيارها الناجح والميزة البارزة في مسيرتها والذي اجمعت عليه الحركة الوطنية الجنوبية مطلع ستينيات القرن الماضي ، لا سيما وان تجربة الخيار السلمي لم تكن ذا جدوى في ثورات تحرر وطني ، نظراً للسلوك الاستعماري العدائية والقمعية .
بدأ الكفاح المسلح بالشكل المنظم الذي شكل ضمان إنتصار ثورة أكتوبر ، في ردفان ، في بداية شهر أكتوبر 1936 ، في مواجهات مسلحة شرسة بين قوات الإحتلال البريطاني وتصاعدت المواجهات على نحو عنيف في 14 أكتوبر وهي المعركة التي استشهد فيها القائد الفدائي راجح غالب لبوزة ، وفي هذه المعركة انطلقت ثورة اكتوبر المجيدة لتعم كل الجنوب طيلة 4 سنوات لتتوج في 30 نوفمبر 1967م بالنصر المجيد .
شنت السلطات الاستعمارية حملات وعمليات عسكرية غاشمة ، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة منها قاذفات الطيران ، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة “الأرض المحروقة”، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.
فشلت القوات البريطانية من إخماد الثورة ، او حتى حصرها في منطلق شرارتها ردفان، حيث امتد وهج الثورة ونار كفاحها المسلح لتشمل اكثر من ١٥ عشرة جبهة وفي كل انحاء الجنوب.
في منتصف عام 1964م بدأ العمل الفدائي في عدن . حيث نفذ الفدائيون سلسلة عمليات ناجحة, كرمي القنابل على منازل وأندية كبار الضباط الإنجليز وضرب المطار العسكري , مما أدى إلى قتل وجرح العشرات من الضباط والجنود الإنجليز ، وخلال هذه العمليات اكتسب الفدائيون خبرات افادتهم في العمليات العسكرية لاحقاً .
وفي أوآخر عام 1966م تحول العمل الفدائي في عدن إلى المواجهة المباشرة مع المستعمر .. فتميزت العمليات العسكرية بالتحرك المكشوف وخوض معارك الشوارع ضد الدوريات الإنجليزية وباستخدام مدافع الهاون والبازوكا .. وكانت أعنف المعارك قد جرت في عدن خلال قدوم بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ابريل 1967م , وتوجت العمليات العسكرية للثورة بالسيطرة على مدينة كريتر في 20 يونيو 1967م لأكثر من أسبوعين , وقد كان لهذا الحدث تأثيراً سياسياً ومعنوياً بالغ الأهمية لتعبئة الجماهير لتحرير المناطق الأخرى ولتطوير التنسيق والتعاون بين فدائيي الجبهة القومية والعناصر المؤيدة للثورة في وحدات ومعسكرات الجيش والأمن .
كما شكل هذا الحدث رداً سريعاً ورفضاً مباشراً لنتائج هزيمة 5 يونيو 1967م على الجبهة العربية الإسرائيلية , ورسالة تضامن وتعاطف من ثورة 14 أكتوبر مع الزعيم العربي الكبير جمال عبدالناصر وجماهير مصر والأمة العربية كلها .