كتب / ناصر التميمي
وبما أنني كنت واحدا ممن شهدوا تلك الليلة السوداء التي مرت على معتقلي الحراك الجنوبي حينها ،ولكي نوثق ماحدث لهم في هذه الليلة المظلمة من قبل قوات الإحتلال اليمني ،فإنني اكتب هذه السلسلة من المقالات كي نوثق ماحدث في هذه الملحمة البطولية
كشاهدة للتاريخ ولمن سيأتي في المستقبل من الباحثين و الدارسين الذين سيكتبون عن ثورة الجنوب السلمية ،وحتى لاتضيع كثير من الحقائق التي عشناها في خضم هذه الثورة التحررية للعلم أن البعض ممن حضروا هذه الليلة الدامية قد فارقوا الحياة ،والبعض مايزال على قيد الحياة .
نتيجة للمظاهرة العارمة التي شهدتها مدينة المكلا في 2009/9/1م ،وذلك احتفالا بعيد الجيش الجنوبي ،وكانت من أقوى الاحتفالات التي شهدتها حضرموت حضره الآلاف من أبناء حضرموت والجنوب رغم الانتشار العسكري الكبير الذي فرضته قوات نظام صنعاء في الطرقات ومداخل المدينة وانتشار للمخابرات اليمنية في الأزقة والشوارع ،في محاولة من جحافل صنعاء لإفشال هذا الحفل الجماهيري الذي لم يكن متوقعا لهم .لكنها إرادة شعب الجنوب كانت أقوى من طائراتهم ودباباتهم ومدافعهم ومدرعاتهم التي امتلأت بها شوارع وأزقة المدينة الهادئة وصنعت هذا اليوم الأسطوري .
واثناء الحفل القيت العديد من الكلمات الحماسية التي ألهبت الحماس في نفوس الجماهير الغاضبة التي كانت تهتف بأعلى صوت ثورة ثورة ياجنوب .. بالروح بالدم نفديك ياجنوب ،ويبدو أن قوات الاحتلال لم يحلو لها سماع هذه الهتافات القوية التي سمع صداها في أرجاء المدينة ،مما أرعب قوات نظام الإحتلال التي أصيبت بالهستيريا ،واطلقت النيران من مختلف الاسلحة على المتظاهرين السلميين المجردين من السلاح بصدورهم العارية ،بعدها انفجرت الجماهير الغاضبة التي كانت متواجدة بالساحة كالبركان الهائج وزحفت في شوارع المكلا كالفيضان ولم يمنعها الرصاص الحي الذي أطلقته قوات الاحتلال اليمني بكثافة وطافت في الشوارع وهي تهتف بشعارات الثورة الجنوبية التي مازالت حينها في مهدها ،لقد أصيب جنود عفاش بالصدمة الكبيرة من صلابة وشراسة هذا الشعب الجبار .
فقد قامت حينها قوات الأمن المركزي التابعة لنظام صنعاء بإعتقال كثير من قيادات الحراك الجنوبي في حضرموت حينها وفي مقدمتهم فادي باعوم وعلي بن شحنة وسعيد با فرج وفواز باعوم وخالد باطليلة وعمر العود وناصر باقزقوز وصلاح بن هامل وسالم بادقيدق وحسن الحامدي وصبري بن حطيان ومحمد بن سويدان وآخرون ، والعشرات من شباب الحراك وزجت بهم في السجون والزنازين التابعة لها في المكلا ومنعت عنهم الأكل والزيارات ومارست ضدهم الترهيب والتعذيب النفسي والجسدي الوحشي ،ناهيك عن قطع التيار الكهربائي عنهم .
ومن حسن الحظ لم تتمكن قوات الاحتلال من اعتقالي بعد افلاتي بأعجوبة منهم ،وتمكني من الوصول إلى قريتي النائية يميفع بعد بضعة أيام من انتفاضة الاول من سبتمبر 2009م واستمرار لمواصلة المظاهرات الشعبية ضد المحتل اليمني ،فقد عقد اجتماع بتاريخ 2009/6/13م
ضواحي قرية ردفان بحضور قيادة اتحاد شباب الجنوب بميفع حينها وتم الاتفاق على الخروج في مظاهرة جماهيرية عصر يوم الجمعة الموافق 2009/6/19م تضامنا مع المعتقلين من أبناء الجنوب في سجون الاحتلال اليمني .
في صبيحة يوم الأحد 2009/6/14 م انتهينا من طبع المنشورات التي تدعوا للمظاهرة وبدأنا نحث الجماهير للخروج في المظاهرة الذي استجابوا للدعوة واستعدوا للخروج في الزمان والمكان المحددين ،عندها ارسلت سلطات الاحتلال مخابراتها وعملائها إلى المنطقة لإفشال المظاهرة في مهدها ،لكنها فشلت وبينما كانت الجماهير تزحف إلى ساحة الحرية بميفع أرسلت سلطات الاحتلال عشرات الأطقم المدججة بالسلاح والجند لقمع هذه المظاهرة وهي الأولى التي تشهدها منطقة ميفع في يوم الجمعة الموافق 2009/6/19م ،وبعد وصولها مباشرة قامت بتطويق الساحة من جميع الجهات واعتقلتني واقتادتني الى سجن بروم في نفس اليوم ،ومكثت فيه ثلاثة ايام وفي صبيحة اليوم الرابع تم ترحيلي الى سجن البحث الجنائي في المكلا ،وتم سجني في الزنزانة عند المناضلين الفقيد فواز باعوم رحمة الله عليه وخالد باطليلة ،ومكثنا فيها حوالى ثمانية أيام ،وفي صبيحة يوم الاثنين الموافق 2009/9/30م تم ترحيلنا الى السجن المركزي بالمكلا بعد أن استكملت النيابة التحقيقات معنا وسط حراسة أمنية مشددة من قبل قوات الاحتلال اليمني ،في تمام الساعة الحادية عشر وخمسة عشرة دقيقة تقريبا وصلنا الى السجن المركزي بالمكلا وتم تسليمنا لإدارة السجن ،التي بدورها اعتادتنا الى العنبر رقم (2) الذي كان مخصص لمعتقلي الحراك الجنوبي فقط لننظم إلى قافلة المعتقلين الذين يزيد عددهم حينها عن الثمانين معتقلا جلهم من أبناء حضرموت .
وللحديث بقية ..يتبع في الحلقة القادمة