كتب / فضل الجعدي
عجزت عندما هممت بأن يكون لي رثاء في رفيقي أحمد ناشر حسن، الذي غادرنا إلى دار البقاء، أن أكتب عنه وهو يرحل إلى الأبد، حيث اختلطت عليَّ العبرات بالعبارات لهول الفاجعة، وتعجز الكلمات في مواقف مثل هذه مهما احتشدت أن تنعي مناضلاً بحجم الراحل الذي ترجل كفارس نبيل من فرسان النضال الوطني طالما التزم
لمبادئه التي حملها في أشد الظروف صعوبة، وجسد صلابة المناضل الذي سيظل يلهم أجيالا كاملة، ومهما كتبنا عنه فما هي إلا شذرات من وحي الرجل الذي عصر كل عمره من أجل المبادئ التي آمن بها وكل القيم النبيلة التي حملها في ضميره الحي كواحد من الندرة التي أضاءت حلكة الدروب وحملت مشاعل الضياء في منعطفات خاضها شعبنا انتصارا لأهدافه وأحلامه وكان كريما في تقديم كل ما استطاع عليه من التضحيات والنضال الدؤوب والمخلص في سبيل الحق الجنوبي الأصيل في استعادة الدولة وتقرير المصير .
لقد مثل رحيل المناضل الرفيق أحمد ناشر حسن عضو اللجنة المركزية سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي محافظة الضالع خسارة كبيرة لطينة بارزة من المناضلين الثابتين على مواقفهم النضالية والمدافعين بشراسة عن الحرية وكرامة الإنسان وبرحيله نكون قد فقدنا أيقونة نضالية ومحاربا لم يدخر جهدا دفاعا عن ما آمن به ولم يهادن أو يساوم ولو للحظة واحدة على قضايا الجماهير وظل في كل المنعطفات ملتزما بما أملاه عليه حسه الإنساني ومسؤوليته الوطنية والأخلاقية، وبرحيله نكون قد خسرنا واحدا من المناضلين الأوفياء الذين تحملوا على عاتقهم بعد حرب 94 القذرة مواجهة غطرسة نظام عصابات صنعاء المنقلبين على الوحدة التشاركية ولطخوا بالدم كل ما يتصل بها، وقصوا شريط الموت باغتيال كوادر الاشتراكي والجنوب القادمين إلى صنعاء على أيدي همجية القبيلة والدين السياسي والإرهاب المستقدم من كل الجهات وحولوا الشريك إلى منفي ومطارد، وقاموا "بتصفية دولة الجنوب وأجهزتها ومؤسساتها ومنجزاتها وثقافتها "، وكرسوا نظام دولة الشمال بكل خيباته، وبأسوأ غدر عرفه التاريخ، ولقد كان الفقيد أحمد ناشر ورفاقه في خضم معركة الدفاع عن الجنوب أرضا وإنسانا بقناعاتهم القائمة على مبدأية الرفض الكلي لتلك السلطة الغاشمة ولكل ممارساتها في الجنوب، ولكل العنجهية التي أدارت بها البلاد، الرفض للنهب والسطو والفيد ونسف معالم دولة الجنوب الذي طال تغيير أسماء الشوارع والمدارس والمنشآت والملاعب وهدم أواصر الدولة وعراها وتزوير الوعي القيمي والأخلاقي والتنكر للشراكة القائمة على الندية بهدف الضم والإلحاق والطمس، واستطاع الفقيد بمعية رفاقه الذين قادهم حسهم الوطني العفوي، وارتقاء وعيهم للبحث عن الإطار التنظيمي المؤهل لاستيعاب حماسهم واندفاعهم وتوجيههما بشكل صحيح لمقاومة مشاريع الاحتلال والاستبداد، ومن مقرات الاشتراكي صاغوا مرحلة نضالية كانت بادئة لثورة الشعب السلمية التي قادها الحراك الجنوبي.
ينتمي الرفيق أحمد ناشر إلى ثلة من المناضلين الجنوبيين الذين تمسكوا بقناعاتهم الفكرية وخياراتهم التنظيمية وانحيازهم لمصالح الناس والوطن مُطوعين شتى العراقيل، ومتغلبين على ظروف الأبعاد القسري من أعمالهم والاعتقالات القاسية، والحرمان لسنوات طويلة وانتهاك حقوقهم الأساسية في العمل وواصلوا رغم كل هذه الظروف الصعبة والإحباط والشتات والمصادرة والحصار والخذلان ، النضال بكل جسارة ونكران ذات من أجل الانعتاق والتحرر من هيمنة البغاة وعصابات الشر والإرهاب، وله مواقف مشهودة في سفر كفاحات شعبنا ضد الظلم والاستبداد والتخلف ولم يتخلف قط عن أي عمل وطني أو مظاهرة أو مسيرة على طول وعرض جنوبنا العزيز وتوهج كمناضل صلب لم ينكسر في أشد الأوقات العسيرة التي مر بها وطننا الحنوب، وفي كل المخاضات كان في مقدمة الصفوف ولم يتأخر يوماً عن تنفيذ أي مهمة أوكلت له مبديا في سياق ذلك التزاما وانضباطا وحماسا، موظفا مهاراته وقدراته وفطنته لتجاوز شتى العقبات التي اعترضت تنفيذ تلك المهام على الوجه الأكمل.
يترك الاستثنائيون بعد رحيلهم فراغا كبيرا لا يملؤه أحد، ذلك؛ أنهم تميزوا بصفات لم تتوفر لغيرهم وتحلوا بإرادة لم توهب إلا لهم وبسجايا الإخلاص والوفاء والعطاء والسيرة العطرة التي زينت مشوار حياتهم ، وعلاقتهم الطيبة بمن حولهم، وهي ميزات لا تتوفر إلا نادرا ولأشخاص بعينهم يمتلكون القدرة على الحضور والتضحية، كرّسوا جل عمرهم في خدمة الناس، وعملوا بصدق وإخلاص لمجتمعاتهم وفق المسئوليات التي أنيطت بهم وعلى قدر ما هو متاح أمامهم وحين يكتمل توهجهم تخطفهم يد المنون في أشد اللحظات التي يمثل رحيلهم خسارة مريرة وفقدان أليم ليس فقط لأهلهم بل للناس الذين أحبوهم، لرفاقهم في الدروب الموحشة، لأصدقائهم وزملائهم ، ولوطن مثخن بالجراح يقف شامخا على أعتاب الخلاص .
إن رحيل مثل هكذا قامة وهامة وطنية بقامة وهامة الراحل أحمد ناشر حسن وغيره من المناضلين يحتم علينا الوفاء والانتصار لقيمهم ومبادئهم وليس فقط الكتابة عنهم ورثائهم ولكن في الانتصار لمشروعهم الوطني وتجسيد نضالهم وثقافتهم وأخلاقهم ووطنيتهم وترجمتها إلى فعل حقيقي فاعل ومؤثر والسير على ما ساروا عليه كفاحا مستمرا لنصر قضيتنا وخدمة شعبنا وتحقيق تطلعاته وحماية ثورته ومنجزاتها والتسامي بحجم التضحيات والعطاءات الخالدة التي بذلوها ورص الصفوف ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة والتلاحم لمواجهة التحديات التي تعترض مسيرة شعبنا صوب استعادة دولته وعلى كامل ترابه ، فالحرية هي مطلب وجودي لا يضاهيه أي مطلب ومن دون الحرية لا وجود للإنسان .
نم قرير العين يا رفيقي معاهدينك بأننا سنكون الأوفياء على المبادئ التي آمنت بها ونصون تاريخك الذي سطرت لنكمل المسيرة التي اخترت ، وسنظل بنفس الثبات طالما ونحن على يقين بأننا على حق ، ماضون جميعا إلى رحاب المستقبل ونحو الوطن الحر المستقل ولن يهتز لنا رمش إيمانا واحتسابا ، عهدا قطعناه ووعدا عاهدناه.
لروحك السلام والخلود
الأستاذ/ فضل الجعدي
عضو هيئه رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي