قال الاديب اليمني عبدالعزيز المقالح إن مستقبلنا هو ابن حاضرنا وحاضرنا عقيم وما نصنعه لا يعبق على أمل.
وجاء ذلك في مقال كتبه على صحيفة الخليج وفيما يلي نص المقال:
سألني -عبر الهاتف- صديق يعمل أستاذاً في واحدة من جامعات الولايات المتحدة: هل من جديد في وطننا الشاسع الواسع؟
لم تكن الإجابة بحاجة إلى دقائق، أو حتى ثوان، فقد كانت جاهزة ومنتزعة من أفقنا الجامد الذي يعاني أحداثاً متراكمة فوق بعض بعضاً، ولا جديد فيها.. حروب عبثية، هنا، وهناك، وصراعات لا أساس لها، ولا معنى، هنا وهناك. واعتداءات خارجية مصحوبة بالاستفزاز والتحدي، ذلك هو حالنا، وتلك هي خلاصة الإجابة على الصديق الذي يظن -على البعد- أن شيئاً ما يتحرك في هذا المكان الممتد من المحيط إلى الخليج والذي أغرقه أبناؤه في موجة من المشكلات، وأوقعه أعداؤه في أشراك من الخلافات التي منعت عنه الفهم، والنهوض.
يتحدث أبناء الشعوب الحية عن المستجدات المتوالية في حياتهم السياسية، والاجتماعية، والثقافية، عن تطور التعليم والنجاح المتواصل في مجال العلوم. ونحن - كما كنا منذ عقود- في حالة شكوى لا تختلف عن أحوالنا، وخلافاتنا، وتحدي أعدائنا لأحلامنا، ولأرضنا. ولا تكف الدوائر السياسية في بلادنا عن تدبيج رسائل الشكوى إلى المنظمات الدولية، وإلى ما يسمى بالرأي العام العالمي، ورغم أن زمن الشكاوى طال، فإن جواباً واحداً من تلك المنظمات، ومن ذلك الرأي العام لم يأت بعد، وليس من المحتمل في المدى المنظور أن تأتي تلك الإجابة المنتظرة، لا لأن المنظمات لا تسمع، أو لأن الرأي العام لا يرى، وإنما لأن تلك المنظمات الشكلية تكره الشكاوى، وتحتقر الشاكين، ولا تقترب سوى بالأفعال، ولا يوقظها أنين الضحايا بل ردود أفعالهم الجادة.
إن سيل الشكاوى الذي لا يتوقف إلى الأمم المتحدة، وفروعها، يثبت أنه لم يعد يعبر عن ثقة هذه المنظمة التي لم يعد لها علاقة باحترام للمواثيق الدولية واعترافاً بأهمية التمسك بالسلام وضبط النفس، وإنما صار - بالتكرار الممل - علاقة ضعف واستسلام، فهل آن لنا نحن أبناء هذا الوطن الشاسع الكبير أن نقلع عن هذه العادة، وننسى وجود مثل هذه المنظمات الدولية، وننسى أيضاً الرأي العام العالمي، خاصة بعد ما تثبت أن هذه الأشياء لا وجود لها، وإذا كان لها وجود فهو هامشي، ويقوم عليها موظفون يحرصون على رواتبهم أكثر من أي شيء آخر، وليس من شأنهم ما يقال عن السلام العالمي، والمحافظة عليه.
أما أنت أيها الصديق الذي يعيش بعيداً عن هذا الوطن الجريح والشاكي، فلا يجعلك البعد تعتقد يوماً واحداً، أن هذا الوطن قد تحولت تراكماته السيئة فجأة إلى مستجدات تأخذ طريقها نحو المستقبل.
فالواقع لا يوحي بشيء من ذلك، لا الآن، ولا بعد نصف قرن، كما يبدو، فالمستقبل ابن الحاضر، والحاضر عقيم. وما نصنعه جميعاً لا يبعث على أمل بالتغيير المنشود، ذلك التغيير الذي يبدأ من تغيير ما في النفوس، ومن تجاوز الخلافات المفتعلة، وما خلفته في الواقع من فوضى، واضطراب، ومن عدم الثقة. وما ينتج عن ذلك من إحساس بغياب الألفة والانسجام بين أبناء الوطن الواحد، وأحياناً بين أبناء الأسرة الواحدة.
وفي مناخ كهذا، من أين يأتي الجديد، وكيف تتكون المتغيرات، ويكون اليوم مختلفاً عن الأمس، والغد مختلفاً عن اليوم؟