أ
رماح الجبري
في سبتمبر من العام 2014 اجتاحت الميليشيا الحوثية العاصمة اليمنية صنعاء وخلال ستة أشهر أسقطت الميليشيا بقية المدن حتى وصلت مدينة عدن جنوباً، لكنها ومنذ انطلاق عاصفة الحزم في الـ 26 من مارس 2015 كبدها الجيش الوطني بدعم ومساندة تحالف دعم الشرعية الكثير من الهزائم والخسائر المادية والبشرية.
أكثر من 75 % من الأراضي اليمنية أصبحت تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية وانتصارات متوالية فيما الميليشيا تتكبد الخسائر اليومية ولم تحقق أي انتصار أو تقدم يذكر منذ انطلاق عاصفة الحزم إلا أن المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين ولاسيما البسطاء منهم لم يشعروا بحجم الخسائر وتهاوي الميليشيا والسبب يعود إلى الآلة الإعلامية الحوثية التي تعتمد استراتيجية الحرب النفسية الداخلية وبث الشائعات يديرها خبراء من إيران ولبنان وهيئة إعلامية مشتركة مقرها في الضاحية الجنوبية في بيروت.
القنوات الفضائية أو حتى منصات التواصل الاجتماعي ليست الأكثر تأثيراً في اليمن وفي مجتمع يعاني ضعفا وانقطاعا لخدمة الإنترنت وقبل ذلك تدني مستوى المعيشة بعد قطع الميليشيا رواتب الموظفين وهو الأمر الذي يجعل توفير لقمة العيش مقدمة على خدمة الإنترنت أو حتى الاهتمام لما تقوله وسائل الإعلام وهذه استراتيجية حوثية تعتمد فيها إشغال المواطنين بجوع أبنائهم لتتوقف عقولهم عن التفكير في مصير ومستقبل اليمن.
الظروف المعيشية الصعبة وانعدام خدمات الكهرباء والإنترنت حولت المجتمع اليمني إلى متلقٍ لما تقوله الميليشيا الحوثية التي تلقن المجتمع بالأخبار والأحداث التي تخدم مشروعاتها من خلال الشائعات والأخبار المفبركة وهو ما يمكن اختصاره بالمصطلح المتعارف عليه في اليمن بـ "وكالة قالوا".
توزع الميليشيا الحوثية المئات من أفرادها العقائديين يومياً على باصات النقل في العاصمة صنعاء والطرق التي تربطها بالمحافظات وكذا المجالس والمقايل في الحارات والقرى، مهمتهم نشر الشائعات المختلقة والمعدّة سلفاً والتي تتضمن قصصا وأحداثا خيالية تحدث في المناطق المحررة والترويج لانتصارات وهمية وقصص خيالية وأسطورية لمقاتلي الحوثي في مختلف الجبهات لإرهاب المواطنين وإشعارهم أنهم يقاتلون 17 دولة ومع ذلك يحققون الانتصارات بالإضافة إلى تثبيط الآخرين من الانضمام لقوات الجيش وليكونوا أيضاً أداة نقل لغيرهم.
الآلة الإعلامية الحوثية لنشر الشائعات والقصص الخرافية تستهدف كافة فئات المجتمع بما فيهم الأطفال من خلال الأنشطة المختلفة ومنها الإذاعة المدرسية، يتكفل بها عقائديون حوثيون في فقرات إخبارية ضمن فقرات طابور الصباح لإرهاب الطلاب وغرس مفاهيم خاطئة ويتعدى الأمر إلى دعوتهم للتجنيد بالإضافة إلى إقامة أنشطة مدرسية طائفية تستند أيضا إلى التغييرات لمديري المدارس والمناهج الدراسية واستبدال المعلمين بآخرين غير مؤهلين من أتباع الميليشيات.
في المساجد أيضا تفرض الميليشيا الحوثية خطباء وأئمة من مؤيديها يساهمون في حرف رسالة المسجد وتفسير القرآن والأحاديث النبوية وفقا لأهواء قادة الميليشيا وكذا الترويج للشائعات والقصص الخرافية مستعينة بالتفسيرات الخاطئة لبعض الأحاديث النبوية لإرهاب المواطنين بل وتدفع ببعضهم للانضمام إلى صفوف الميليشيات.
المؤسسات الحكومية وموظفوها ورغم قطع رواتبهم إلا أن الميليشيا الحوثية تخضعهم لدورات تسميها "ثقافية" وهي محاضرات وأنشطة عقائدية طائفية سياسية أسبوعية تروج لمشروع الميليشيا وتقدم فيها الشائعات وتعرض فيها عبر الشاشات الانتصارات الوهمية التي يتم تصويرها في بعض المعسكرات وإنتاجها في الضاحية الجنوبية في بيروت، ويتعرض الموظف للفصل والاستبدال إن تغيب عن هذه الدورات، وخصصت الميليشيا يوم الأربعاء كيوم ثقافي في كافة المؤسسات.
الميليشيا الحوثية أيضا لم تغفل عن تفعيل أهم وسائل الإعلام في اليمن والأكثر تأثيرا من بين وسائل الإعلام المتنوعة وهي الإذاعات المحلية وأنشأت 18 إذاعة محلية جميعها تروج للإشاعات والانتصارات والمشروعات الوهمية وتكرس ثقافة الميليشيا الطائفية وجميع هذه الإذاعات تمولها إيران حيث تتسلم كل إذاعة ما يقارب 12 ألف دولار شهرياً.
وسائل التواصل الاجتماعي عجزت الميليشيا الحوثية عن حجبها كما عملت مع مئات المواقع الإخبارية اليمنية المساندة للشرعية والمواقع السعودية والخليجية وبعض المواقع الدولية وعجزت أيضا عن مراقبتها وهي النافذة التي استطاع منها النخبوي اليمني الاطلاع على ما يحدث في العالم وعلى الهزائم التي تتكبدها الميليشيا مع التأكيد على أن نسبة الأمية كبيرة في المجتمع اليمني وبالأخص أولياء الأمور من الآباء، مع الإشارة إلى أن "القراءة وجزءا من الاطلاع والمتابعة" شرط أساسي للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي ومع ذلك تعمل الميليشيا على تضليل هذه الوسائل من خلال نشر وتوزيع قصص مكتوبة لشائعاتها وفيديوهات مفبركة توزعها في مختلف المجموعات وتنشرها مئات الحسابات.
"الفيس بوك" الوسيلة الأكثر تأثيرا وانتشارا لدى المجتمع النخبوي اليمني لوثته الميليشيا بمئات الحسابات الوهمية المضللة التي تروج لشائعاتها وتدافع عن تصرفاتها، بل عملت الميليشيا على انتحال صفحات وحسابات لقيادات سياسية وحزبية يمنية وقيادات سعودية استغلتها للتجسس والإيقاع بالمواطنين والناشطين بعضهم تم اختطافهم لتواجدهم في مناطق سيطرتها.
تمول الميليشيا الحوثية عشر قنوات فضائية أربع منها حكومية مختطفة منذ اجتياح صنعاء وهي (اليمن - سبأ - عدن - الإيمان) وقناة اليمن اليوم التي اختطفت مؤخرا بعد قتل الرئيس السابق علي عبدلله صالح فيما أنشأت إيران بإدارة حزب الله في لبنان قنوات المسيرة والساحات والمسيرة مباشر ومؤخرا قناتي الهوية واللّحظة والتي يقال إنها بتمويل قطري.
هذه الإمكانيات الإعلامية التدميرية ووسائل الميليشيا المتعددة في التظليل والخداع الإعلامي جعلت من المواطن اليمني ضحية وأداة لاستمرار الظلم والإضرار بمستقبل اليمن وهو الأمر الذي جعل الميليشيا تلغي كافة الأصوات المناهضة لها بل وتعتبر الإعلام المهني والمعارض عدوا لها وهو نهج قديم تؤكده الأحداث عند اجتياحها لصنعاء عندما كان مبنى التلفزيون اليمني الرسمي أول أهدافها بالقصف وكانت قناة اليمن اليوم أول أهدافها أيضاً عند إعلان الرئيس صالح انتفاضته ضد الميليشيات في 2 ديسمبر2017
بعد انهيار الدولة وسيطرة الميليشيا على مؤسساتها أغلقت الميليشيا الحوثية 16 قناة تلفزيونية في صنعاء ونهبت محتوياتها و13 إذاعة محلية و81 صحيفة ومجلة كانت تصدر آنذاك وأغلقت مكاتب وسائل الإعلام الدولية واختطفت 141 صحفيا وزجت بهم في سجونها وهي الإجراءات التي تسببت في تشريد أكثر من 1000 صحفي من منازلهم توزعوا بين عدن وصنعاء وبعض العواصم العربية.
التنوع الحوثي في أساليب الخداع والتضليل ومحاولة عزل المجتمع اليمني عن العالم بالإضافة إلى الجرائم والانتهاكات بحق الإعلام الوطني المناهض لها يجعل من الإعلام الحوثي أداة تدميرية أكثرا خطراً على المجتمع اليمني من آلة الحرب نفسها فكما هو السلاح يقتل الجسد فإن التضليل والخداع الحوثي يقتل العقل ويجعل الجسد مصدرا للشر والإضرار بمستقبل اليمن.
*نقلآ عن جريدة الرياض السعودية