يقول المتنبي في قصيدته (أَينَ أَزمَعتَ أَيُّهَذا الهُمام )عن علو الهمة وطلب القمة
كُلَّ يَومٍ لَكَ اِحتِمالٌ جَديدُ *** وَمَسيرٌ لِلمَجدِ فيهِ مُقامُ
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً *** تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
وَكَذا تَطلُعُ البُدورُ عَلَينا *** وَكَذا تَقلَقُ البُحورُ العِظامُ
ماذا تريد أن تُصبِح عندما تكبُر؟ ماهو حلمك للمستقبل؟ كلنا سألنا أولادنا هذا السؤال وسئلناه نحن من قبلهم ،والجوابُ بسيط لأنَّ الإنسان مخلوقٌ جُبلَ على التفكير الدّائمِ بالمستقبل، هذه الكلمة الضبابية البعيدة، فالمستقبل بالنسبة لنا كلُّ ما هو قادم ولا نعرفُ ماذا يخبِّئ فالبعض منّا يجلس وينتظر القادم المجهول والآخر يشغل باله التفكير وتتملّكه الأحلام حول المستقبل وما ستؤول إليه حياته فيه. وهنا تبدأ مسيرة الحلم الذي تشيده في الخيال بأجمل صورة وأبهى حلة تحب أن تعيشها مستقبلا ،ولكي نجعل الأحلام واقعا لابد من التخطيط لتنفيذها لنعيشها كما رسمناها ، الأمر طويل وشاق ولكن التحلّى بالصبر واجب حتى نقطف ثمار أحلام ناضجة.
الوصول للحلم ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً أيضاً، فهو يتطلب الكثير من العمل وسعة في الأمل، وأحياناً ما نضطر لسلوك طُرق لا نريدها للوصول لما نريد لكن الأهم ألّا نضل الطريق قبل أن نصل. كما أن تحقيق الأحلام يتطلب حصول الشخص على الدعم والمؤازرة ممن هم حوله ومن يؤمنون بقدراته، فهذا الأمر مهم جداً ويجد ذلك الكثير في العلم والتعلم الهادف لتحقيق الحلم والذات. مهما كان حُلمك صغيراً في أعين غيرك أو ضرب من الجنون، لا تسمح لأحد أن يقلل من شأنه، لا تصدق أن هناك شيئاً غير قابل للتحقيق طالما سعيت من أجله، إذا لم تصل لحلمك فلا بأس ويكفيك أنك سعيت نحوه بكل ما أوتيت وبذلت فيه جزءاً من روحك، الأحلام تحتل جزءاً كبيراً من القلب وأحياناً لا ينفك هذا الاحتلال.
إن الوصول لحلمٍ ما سعادة لا توصف، أن نرى كل ما بذلنا من جهد يتجسد أمامنا تماماً كما أردنا، لابد أنه شعور لا يمكن وصفه بالتحديد، أستطيع أن أتخيل أنه كل شيء نحبه في الحياة قد حدث بالفعل في لحظة واحدة، لحظة طال انتظارها كثيراً. ومع ذلك ، قد تأتي هذه اللحظه ويأتي معها من يقرر مصيرك وحلمك من جهات مخولة بوضع أنظمة لاتتغير حتى في أصعب الظروف، وقد يتم تجاهل نتائج (12) عاماً دراسياً، والالتفات إلى نتيجة اختبار تم اجراؤه عن بعد وأثير حوله الكثير من اللغط والسخط لنتائج لاتعكس واقع الطلاب في الفترة الحالية وظروفها، وبعد هذا الحسم تأتي الجامعات لتعلن عن نسبها الموزونه وأنها أعادت النظر في ذلك بما يتناسب مع إمكاناتها وليس مع الظروف والمستجدات. إن تقرير المصير غالبا مايأتي في سياق سياسي لتقرر الدول مصيرها ونحن اليوم أشبه بهذه الدول لنقرر مصير أجيال الغد ومن سيحمون الوطن ويخدمونه بسلاح العلم والمعرفة.
تربط نظرية تقرير المصير بين الشخصية والدافع الإنساني والأداء الأمثل. ويعبر عنها بالدافعية الداخلية وهي الرغبة المتأصلة بالفطرة للحكم والإختيار ويكون فيها الفرد علي وعي بذاته وقدراته وكفايته التي تساعده في التحكم بمواقف الحياة المختلفة وتكون خياراته وأفعاله بإرادته غير مقيدة بتدخلات أوسيطرة خارجية ، فالسيطرة داخلية ذاتية والسلوك منظم تنظيما ذاتيا مع الشعور بالإستقلالية ، ويعد تقرير المصير ظاهرة إنسانية حضارية إجتماعية ترتبط بالرفاهية الذاتية والصحة العامة والإبداع والتحصيل في أغلب مجالات الحياة الفاعلة. وهذا مايؤكد ارتباط تقرير المصير بالخبرة العاطفية والكفاح التحصيلي، وتقرر هذه النظرية أن لدى الأفراد القدرة علي التحكم بقدراتهم مما يجعلهم يختارون الأنشطة التي يستطيعون التكيف معها ومعالجتها بنجاح وتجنب الأنشطة التي تفوق قدراتهم ولايستطيعون التكيف معها، كما أكدت الدراسات أن القادرين على تقرير المصير يكونوا من ذوي الدافعية العالية والتحصيل الدراسي ولديهم خبرات عاطفية عالية وهذا مايكفله التعليم بإكساب المعرفة والمهارات والقدرات التي تعد الفرد للمنافسة المحلية والعالمية.
نحن نعيش الألفية التي حققت فيها البشرية أنواع التقدم التقني الذي فاق كل التنبؤات السابقة، ومازلنا نقرر مصير شباب هم عدة وعتاد الوطن لحفظ خيراته، وبناء المستقبل. فكما. تؤكد مهارات القرن الحادي والعشرون على الإستقلالية والثقة بالنفس، فإن الآوان قد حان لأن نفسح المجال وأن نتحرر من قيود البيروقراطية والمطابقة المعيارية في آن لأن أولادنا يستحقون. أؤمن أن لكل حلمٍ وقته وطريقته في التحقيق، مهما حاولت أن تستعجل الأمر أو أن تؤخره .. لكل حُلمٍ قدره وفي الوقت الذي تظن أنه لن يحدث .. سيحدث بطريقة غير متوقعة .. لم تخطط لها حتى في أحلامك، ذلك اليقين بأن الله على كل شئ قدير وأنه كفيل بعباده جل في علاه. واختم بقول الإمام علي رضي الله عنه
إذا أظْمَأتْك أكفُّ الرِّجالِ *** كفَتْك القناعةُ شِبَعًا ورِيَّا
فكنْ رُجلاً رِجلُه في الثَّرَى*** وهامةُ هِمَّتِه في الثُّريَّا