في كل شارع، في كل بيت، هناك صوتٌ يعلو بالشكوى، وعيونٌ تترقب الغد بخوفٍ ممزوجٍ بالأمل، تنتظر لحظةً تمحو هذا الظلام الثقيل. الجنوب لم يعد يحتمل المزيد من الصبر، والمواطن الذي تحمل الجوع وانعدام الخدمات وانهيار العملة لم يفقد إيمانه بعد، لكنه لم يعد يستطيع الانتظار. إنه شعبٌ ناضل وصمد، وحمل الحلم على كتفيه رغم كل العوائق، واليوم ينظر إلى قيادته ليجد الإجابة التي انتظرها طويلًا: ماذا بعد؟
ولكن مع كل هذه التحديات، تبقى المسألة الأخطر هي أن القوة التي يستند إليها المجلس الانتقالي الجنوبي تتعرض لضغوط غير مسبوقة، مما يستدعي إعادة النظر في المسار قبل أن يفقد الجنوب ركائزه الأساسية.
القوة الحقيقية التي يستند إليها المجلس الانتقالي الجنوبي تواجه تحديات جسيمة؛ فهي تتعرض لضغوط متزايدة، وتتآكل بفعل عوامل سياسية واقتصادية خانقة، ما يجعلها في حالة انهيار مستمر ما لم يتم اتخاذ إجراءات جادة لإعادة ترسيخها. إن استمرار هذا التراجع دون مواجهة فعلية سيضعف قدرة الجنوب على التمسك بمكتسباته، وسيجعل الطريق نحو الاستقلال أكثر تعقيدًا. لذلك، فإن الحاجة إلى قرارات حاسمة لا تتعلق فقط بتحسين الواقع المعيشي، بل أيضًا بإعادة بناء الأسس التي يقوم عليها المشروع الوطني الجنوبي.
وهنا لا يمكن تجاهل أن القوات المسلحة الجنوبية تفرض سيطرتها فعليًا على الأرض، وهذا التفوق الميداني يجب ألا يذهب هباءً، بل يجب استثماره بقوة في فرض شروط تضمن تحقيق مصالح الجنوب. إن امتلاك السيطرة العسكرية يمنح القيادة قوة تفاوضية كبيرة، ولكن هذه القوة يجب أن تُترجم إلى قرارات سياسية واقتصادية تخدم الشعب وتحقق الاستقرار. الصمت في هذه المرحلة الحاسمة قد يُفقد الجنوب فرصًا ثمينة لصياغة مستقبله بشروطه الخاصة، ولذلك يجب أن تكون هناك رؤية واضحة واستراتيجية تعتمد على فرض الإرادة الجنوبية في كل الملفات المطروحة.
ولا يمكن القبول بفكرة أن الاتفاقيات الدولية والإقليمية تفرض هذا الواقع الصعب على المواطن. ليس هناك أي شرط يلزم الجنوبيين بالقبول بانهيار الخدمات واستمرار المعاناة، فإذا لم تحقق هذه الاتفاقيات أدنى درجات الاستقرار وتحسين المعيشة، فلا بد من إعادة تقييمها واتخاذ موقف واضح يعكس مصالح الجنوب، لا مصالح الأطراف الأخرى. هذا الشعب لم يناضل كي يكون أسيرًا لاتفاقيات لا تخدمه، ولم يقدم التضحيات ليرى حلمه يتلاشى بفعل قراراتٍ لا تأخذ مصلحته بعين الاعتبار.
المطلوب اليوم ليس المزيد من الوعود أو الانتظار، بل تحركات حقيقية تغيّر الواقع، وإجراءات تترجم نضال الشعب إلى مكاسب ملموسة. لقد أثبت المواطن استعداده للوقوف خلف قيادته، لكنه يطالب بأن تكون الأفعال في مستوى التحديات، وألا تبقى الاستجابة محصورة في ردود الفعل. صحيح أن الضغوط الخارجية تفرض واقعًا معقدًا، لكن لا بد أن يقابلها مقاومة سياسية واقتصادية تتناسب مع تضحيات الجنوب، وترسم طريقًا واضحًا لمستقبله.
الجنوب لن يُبنى إلا بإرادة جماعية تعي حجم المعاناة وتعمل بصدقٍ لمعالجتها، وتؤكد أن التضحيات التي قُدمت لم تكن عبثًا، بل هي أساس مشروعٍ وطني يستحقه الشعب.
هذه لحظة المصير… إمّا أن ننهض، أو أن ندع الحلم يتلاشى!