أثناء انتظاري في صالة مغادرة مطار الملكة علياء الدولي بعمان، وصلت جهازي بشبكة الواي فاي فوصلني كمٌ كبير من رسائل الواتس أب، أغلبها كانت رسائل تحذيرية من أصدقائي، يحذرونني من أن عدن محفوفة بالمخاطر هذه الأيام، وأن الوضع هناك قد ينفجر في أي لحظة.
اغرورقت عيناي بالدموع وبدأ جسمي بالارتجاف، ماذا لو حدث لي شيء في عدن؟ لقد مر عامٌ تقريبًا منذ آخر مرة كنت في اليمن، وأريد أن أفاجئهم، فهل ستلومني عائلتي لأنني لم أخبرها بأنني عائدة إلى اليمن؟
وماذا عن صديقتي التي تنوي أن تقلني من مطار عدن، وتستضيفني ليلة في منزلها، قبل رحلتي الطويلة عبر البر إلى صنعاء، هل سيكون ذلك ممكنًا وقت وصولي؟ يقع منزلها في منطقة أصبحت محاطة بعناصر جماعات مسلحة مختلفة.
ربما من الأفضل أن أحجز رحلة أخرى وأعود إلى فرانكفورت، إلى شقتي بالقرب من الحرم الجامعي، وأن ألغي خطة السفر بأكملها، ولكن اتصالي بأختي في السعودية قوى عزيمتي، سوف أسافر، مهما حدث.
السفر من وإلى اليمن، أو التنقل داخلها طويل ومجهد حتى في ظل أفضل الظروف خلال الحرب. هناك دائما حالة من عدم اليقين بشأن المطارات، هل ستكون مفتوحة أم مغلقة؟ هل سيكون السفر سلسا على الطرق التي تمر بخطوط المواجهة، وتصطف عليها عشرات نقاط التفتيش التي يديرها مسلحون مختلفون؟
الكثير من اليمنيين أصبحوا غير قادرين على الحصول على رعاية طبية في الخارج منذ أن أوقف التحالف الذي تقوده السعودية الحركة الجوية التجارية في مطار صنعاء عام 2016. والرحلة إلى مطارات بديلة صعبة وطويلة، بدأت رحلتي التي طال انتظارها في 7 أغسطس، بعد أيام من الهجومين القاتلين اللذين استهدفا الشرطة وقوات الحزام الأمني في عدن، وفي وقت كان الانفصاليون الجنوبيون قد تهيأوا فيه للانقلاب على حلفائهم من القوات الحكومية في المدينة الجنوبية.
الرحلات الجوية إلى اليمن متوفرة من خمس مدن فقط في العالم، ومعظم اليمنيون يسافرون إلى اليمن عبر عمان أو القاهرة. السفر إلى هناك عبر الخرطوم مكلف أكثر. أما الرحلات الجوية من جدة والرياض فتستخدم في الغالب من قبل اليمنيين المقيمين في السعودية.
عند وصولي من فرانكفورت، كان علي التوقف في عمان لمدة 10 ساعات، أي أكثر من الست ساعات المطلوبة كحد أدنى من اليمنية (الخطوط الجوية اليمنية) لركابها الذين يمرون عبر عمان، إذ أن رحلاتها منظمة من قبل تحالف الحرب الذي تقوده السعودية، مما يعني أن أوقات السفر يمكن أن تتغير أو قد يطلب التحقق من قوائم المسافرين إذا كان هناك مسافرون غير يمنيين على متنها. أمضيت بعض وقت الانتظار في الشرح لضباط الأمن بأنني بحاجة لأخذ أمتعتي من قاعة الوصول لأن اليمنية لن تتمكن من إيصال أمتعتي حتى عدن. وبما أنني يمنية، أحتاج إلى تأشيرة لأدخل إلى قاعة الوصول ولكن ليس من الممكن إصدارها من المطار.
في النهاية، سمح لي بالوصول لأخذ أمتعتي. قابلت هناك امرأة يمنية تعمل مع وكالة تابعة للأمم المتحدة. كلانا متجهتان الى صنعاء، ولكن رحلتها ستكون مختلفة كثيرًا: فهي كانت تستعد للسفر مباشرة إلى العاصمة على متن طائرة إيرباص جديدة تابعة للأمم المتحدة، أي أنها تتوقع أن تكون في صنعاء بحلول وقت الغداء، ولأنه تم السماح فقط للرحلات الجوية الإنسانية من وإلى مطار صنعاء منذ عام 2016، فسوف أسافر إلى عدن، وأمضي الليلة هناك ثم اذهب براً في رحلة مدتها 14 ساعة إلى صنعاء – أي حوالي ضعف المدة التي تستغرقها الرحلة من عدن إلى صنعاء عادةً في زمن السلم.
في نوفمبر 2016، وأثناء عملي لدى وكالة دولية، سافرت إلى صنعاء على متن رحلة جوية مخصصة للمساعدات الإنسانية. تذكرت تلك الرحلة وتذكرت كيف انتظرت سيارة الأجرة بعد وصولي إلى صنعاء بينما استعجلني جنود نفذ صبرهم على الإسراع والمغادرة حتى يتمكنوا من إغلاق المطار. أعادني الحديث مع المرأة إلى الوقت الحاضر، وسألتني عما إذا كنت سأبقى في عدن، فأجبتها بأنني سأبقى ليلة واحدة فقط. ردت بالقول: هذا أفضل.
عدت إلى صالة المغادرة بعد أن أخذت أمتعتي. قابلت امرأة أخرى، يمنية في العشرينات من عمرها جاءت إلى عمان لإجراء عملية جراحية في ظهرها. تحدثنا عن العودة إلى اليمن، فكلانا اشتقنا إلى عائلاتنا في صنعاء أثناء تواجدنا بالخارج، ونتطلع إلى ذلك الشعور المطمئن بالعودة إلى الوطن. سجلنا وصولنا في المطار وكانت مقاعدنا بجانب بعضنا البعض.
بدأت الطائرة تمتلئ. كان هناك العديد من المرضى وأشخاص واهنون، معظمهم من كبار السن بصحبة مرافقين، وبعض الطلاب وعدد قليل من الأسر التي معها أطفال. هذا الخليط ليس مفاجئًا، فمن الصعب على اليمنيين الحصول على تأشيرات، ومعظم اليمنيين لا يستطيعون تحمل كلفة السفر إلى الخارج، خاصة بعد الدمار الاقتصادي الذي سببته خمس سنوات من الحرب. وحدهم المصممون بما فيه الكفاية، والقادرون على تحمل تكاليف السفر والحصول على تأشيرات – غالباً للدراسة أو لأسباب طبية – يقومون بالرحلة المرهقة.
إحدى المسافرات، وهي امرأة مسنة غير قادرة على المشي، تحدق بصمت في ابنها بينما يحاول هو وامرأة تسافر معهما بحملها من الكرسي المتحرك إلى أسفل الممر. كانا يعانيان بحملها مع حقائب يديهما. أما مضيفو الطيران فقد وقفوا يتفرجون ويملون الأوامر: “ارفعها من الخلف!”، “امسك ساقيها!”. بدأت المرأة الصغيرة في العمر بالبكاء وطلبت المساعدة بصوت يرتجف، ولكن لم يأت أحد للمساعدة. “حاولوا ألا تؤذوا ظهرها!” وأخيراً أجلساها في مقعد قريب، وأخذا حقائبهما وجلسا مرهقين بجانبها.
وخلال الرحلة إلى عدن، كانت المرأة التي تجلس بجانبي تمدد جسدها بشكل غريب في محاولة لتخفيف آلام ظهرها. إلى جانبي الآخر، كان هناك امرأة يمنية من عائلة بارزة تتحدث عن منازلها في عمان ودبي والسعودية، وأيضاً عن توجهها إلى إب مع زوجها وأبنائها الصغار لقضاء عطلة العيد. هبطنا في مطار عدن بعد ثلاث ساعات ونصف من التحليق، في وقت متأخر من بعد الظهر. الطقس يتسم بالرطوبة والجو مليء بالغبار. شاهدت العائلة الشابة والثرية وهي تغادر مستقلة سيارة خاصة كانت تنتظرها بجانب سلالم الطائرة.
أما أنا وما تبقى من الركاب فتوجهنا إلى المبنى الفوضوي، موظفو المطار غالبًا، يستحيل تمييزهم عن المسافرين لارتدائهم ملابس عادية وسترات بأغطية الرأس، كانوا يصرخون ويحدقون فينا بغضب وأخيرا يختمون جوازات سفرنا. انتظرنا حوالي ساعتين لأخذ أمتعتنا، وبدأت تمتلئ القاعة أكثر مع وصول ركاب قادمين من الخرطوم. أخيراً غادرت المطار وذهبت مع صديقتي التي كانت تنتظرني في الخارج لأخذي إلى منزلها لأقضي الليلة هناك قبل توجهي إلى صنعاء. التوتر والغضب الملموسان في المطار يمهدان للإحساس الغريب والمخيف في الخارج حيث تسمع أصوات إطلاق نار بعيدا، وأحاديث جنود مسلحين رأيناهم في مجموعات على طول الطريق. أخبرتني صديقتي أن الناس يتوقعون اندلاع القتال في أية لحظة.
نمت باكراً، إذ كانت الرحلة مؤكدة ليوم غد للمغادرة في وقت مبكر من الصباح للذهاب إلى العاصمة صنعاء التي تبعد 460 كم. قام السائق بإقلال ثلاث نساء أخريات يتجهن أيضاً إلى صنعاء، وقمنا أربعتنا بتقاسم قيمة الأجرة المعتادة والبالغة 200 دولار أمريكي. هناك خيارات رخيصة متوفرة، فالسفر على متن حافلة النقل الجماعي يكلف حوالي 23 دولارًا أمريكيًا فقط. ولكن السفر على متنها يستغرق وقتا أطول من السيارة بأربع ساعات، بسبب التأخير على نقاط التفتيش حيث يتم استجواب الركاب وفحص أوراقهم. بعض سيارات الأجرة تقل أكثر من أربعة ركاب، وبالتالي يمكن أن يدفع كل شخص حوالي 25 دولارًا أمريكيًا فقط.
يعمل سكان قرية القلة في منطقة مغرب عنس بمحافظة ذمار في 24 سبتمبر 2019، لإخلاء طريق غالباً ما يتأثر بالأمطار والفيضانات بحيث لا يمكن الوصول إلى القرية إلا عن طريق الحمير // الصورة: صقر أبو حسن
عبرنا 62 نقطة تفتيش على طول الطريق، بعضها يبدو راسخًا وثابتاً هناك، وبعضها الآخر عبارة عن نقطة تفتيش عليها جندي واحد أو جنديان يقفان لوقت قصير ويلوحان للمركبات. معظم الجنود أو رجال الميليشيات يسألون ببساطة من أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون. ولكن على نقطتي تفتيش، تجادل جنود متحالفون مع الحكومة مع السائق وأمروه بفتح الصندوق والحقائب. أعطاهم بعض المال وسمحوا لنا بالمرور من دون تفتيشنا. كانت أسئلة الجنود أو رجال الميليشيات متشابهة مع استمرار اتجاهنا شمالاً، ولكن ما بدا واضحاً هو اختلاف من يسيطر على كل منطقة. أصبح المسلحون الذين يقفون في نقاط التفتيش يرتدون ملابس مدنية، على عكس الجنود الذين رأيناهم في وقت سابق والذين يرتدون زياً رسمياً، وكانت شعارات الحوثيين: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” ترتفع إلى جوارهم. طلب من جميع السيارات على حاجز في شمال ذمار أن تقف وتفتح صناديقها. سائقنا كان يعرف أحد الجنود، فتوجه نحونا وتظاهر أنه يتفحص السيارة، ثم أخذ “البغشيش” وسمح لنا بالاستمرار في طريقنا.
يعرف سائقنا القواعد غير المدونة والطرق فهو يقوم بالذهاب من عدن إلى صنعاء يوميًا ولكنه يشكو من قلة النوم، وخاصة أن العديد يسافرون بمناسبة العيد والعديد يهربون من الوضع المتوتر في عدن. يقول السائق أن أصعب جزء في رحلتنا سيكون جنوب محافظة تعز حيث نمر عبر “طريق السائلة” الوعر والمليء دائماً بالأتربة إلا عندما تتدفق مياه الأمطار من الجبال المحيطة. هذا الطريق الذي يمتد على طول 10 كيلومترات عرضه يكفي لمرور مركبة واحدة فقط، وهو أيضاً مليء بالحفر والصخور الكبيرة. عبور هذا الطريق يستغرق ساعة، وأكثر من ساعة عندما تمطر. كانت الطريق سالكة مع أنها كانت موحلة بسبب الأمطار من اليوم السابق.
توقفنا مرتين في طريقنا إلى صنعاء، مرة لتناول الفطور على جنب الطريق قرب قرية في لحج حيث كان هناك مطعمان بسيطان ومحل بقالة صغير، ومرة ثانية بعد الظهر لتناول طعام الغداء في إب، وهي مدينة على طريقنا. النساء اللواتي كن معنا هن عاملات إغاثة يمنيات-سودانيات انتقلن من صنعاء إلى عدن بعد اندلاع الحرب، وقلن إنهن استطعن إيجاد فرص عمل أفضل مع المنظمات الدولية في عدن مقارنة بالشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون الآن. أمضينا وقتنا في الحديث عن التغييرات التي رأينها في صنعاء أثناء زيارتهن لعوائلهن. وقلن إنه أصبح هناك المزيد من المقاهي حيث تكيف الناس مع الحياة تحت حكم الحوثيين، وأن المزيد من النساء بتن يرتدين العبايات الملونة والعصرية بدلاً من اللون الأسود المتعارف عليه.
سائقنا من عدن، وهاتفه الخلوي يرن باستمرار. عادة ما يكون المتصل والده ليخبره أن القتال اندلع في المدينة. في أحد الاتصالات، أخبر ابنه أن أحد معارفهما قد مات في القتال. قدمنا تعازينا وتلونا بعض الصلوات. النساء المسافرات معي قلقات على أصدقائهن في عدن وكنا يرسلن لهم رسائل نصية للاطلاع على الأنباء والاطمئنان عليهم. تلقيت رسالة مفادها أن مطار عدن قد أغلق وأنه من غير المعروف كم من الوقت سيبقى مغلقاً. أرسلت رسالة إلى وكالة السفر لتغيير رحلة مغادرتي من عدن إلى مدينة سيئون، في محافظة حضرموت الشرقية، حيث يوجد المطار الوحيد في البلاد الذي يوفر الرحلات التجارية الدولية المنتظمة حالياً، بعد إغلاق مطار عدن.
مع اقترابنا من صنعاء، شعرت أن كل ما أحتاجه لتخفيف الصداع وآلام الظهر بعد ركوب السيارة لهذه الفترة الطويلة هو الوصول إلى منزلي، لكن هناك زحمة سير خانقة قبل عطلة العيد وبالتالي هناك ساعة أخرى قبل أن أصل إلى المنزل وقبل أن يراني أخي البالغ من العمر 10 سنوات. ترجلت من السيارة، هرع أخي من الباب الأمامي وقفز ليعانقني. حملنا حقيبتي سويا ودخلنا إلى المنزل حيث استقبلنا والدي، وأمي، وأخواتي الثلاث، وزوجة أخي وسارعوا بالنزول إلى الأسفل، وكانوا يضحكون ويتكلمون سويا في نفس الوقت. حملت ابن أخي القادم الجديد البالغ من العمر 14 شهرًا، ابتسم عندما حملته وقبلته. ردة فعله أراحتني بشكل كبير. بعد الاطلاع على آخر أخبارنا، وإعادة سرد تفاصيل رحلتي التي استمرت 54 ساعة من فرانكفورت إلى عمان ثم إلى عدن، وأخيراً إلى صنعاء. حل منتصف الليل. سألني والداي كم يوماً سأبقى. أخبرتهم أن علي المغادرة بعد 13 يومًا. دمعت عيونهم وقال والدي: “لو كنا نعلم أنك ستبقين لمدة 13 يومًا فقط، لما كنا سمحنا لك بالمجيء فالبقاء لهذه الفترة القصيرة لا يستحق معاناة السفر.”
كانت رحلة خاطفة أمضيتها مع العائلة والأصدقاء وأجريت خلالها العديد من الترتيبات، كالتحضير لحفلة خطوبتي، وهذه قصة أخرى. بدت الأيام وكأنها تشبه الحلم، وأنا لا أريد المغادرة. كنت أفكر في رحلة العودة كل يوم، إذ كنت أدرك مدة الرحلة ونوع الطرق التي سنسلكها.
التنقل في زمن الحرب باليمن
في صباح 22 أغسطس، انطلقت في رحلة عبر البر تستغرق 16 ساعة وطولها 828 كيلومتراً حيث نعبر الجبال نحو مأرب ثم عبر منطقة صحراوية شاسعة وصولاً إلى سيئون. سافرت مع زميل ظل يسأل كم من الوقت ستستغرق رحلتنا. وكانت إجابة السائق المعتادة هي: “لا يزال لدينا الكثير من الوقت. سوف تستمتعان بالرحلة”. لكننا لم نستمتع بها. عندما انطلقنا بالرحلة كنت مرهقة ومتوترة بخصوص نقاط التفتيش لأن زميلي ليس قريبي، ولمعالجة الموضوع وضعنا خطة بناءً على اقتراح السائق. سوف أكون خالته. فقام صديقي بحفظ اسمي بالكامل واسم أمي، لكي يتمكن من الإجابة في حال سئل في أي نقطة تفتيش.
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، قال السائق للرجال على نقاط التفتيش أنه يقل “عائلة”. وبشكل عام كانوا يلوحون بأيديهم بالمرور إما بعد طرح أسئلة سريعة أو إلقاء نظرة خاطفة علينا. نقاط التفتيش في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية كانت أكثر صرامة، وغالبًا ما طلب منا إبراز الهوية وسؤالنا عن الغرض من السفر وما إذا كنا أقرباء. لم يشكك أحد في تأكيد زميلي بأنني خالته. قيل لي أنه قد يكون هناك بعض نقاط التفتيش التابعة للقاعدة، ولكن، وعلى حد علمي، فإننا لم نتوقف عند أي نقطة من هذا القبيل. ولم يكن من الواضح دائمًا من الذي يطرح الأسئلة في نقاط التفتيش.
وبما أن عدن غير مستقرة والسكان الشماليون المتجهون جنوبا إلى المدينة يطلب منهم الرجوع من قبل بعض نقاط التفتيش، قام العديد من المسافرين الآخرين بتغيير رحلاتهم ليسافروا من سيئون. امتلأت الفنادق واحدا تلو الآخر. كنت متعبة للغاية ولا طاقة لدي لأتجادل أكثر مع السائق. أخذت حقائبي وذهبت إلى فندق متسخ ومليء بالغبار. كانت تكلفة قضاء ليلة هناك مبالغ فيها إذ كلفت حوالي 14،000 ريال يمني (23 دولارًا أمريكيًا) لليلة واحدة – بقدر تكلفة الفنادق فئة 5 نجوم في مدينة أخرى. اتصلت بأهلي لأعلمهم بأنني وصلت بأمان، ثم حاولت أن أنام. استيقظت باكرا وكنت قد أصبت بزكام، وفعلت ما كان ينبغي علي فعله في اليوم السابق: أتصلت بأحد معارف صديق لي الذي يمكنه إيجاد فندق نظيف بسعر معقول حيث يمكنني التعافي قبل رحلتي، وهكذا كان. تناولت غداء متأخرا من الدجاج والأرز وارتحت قليلاً، ثم زرنا شبام حضرموت القريبة، والمعروفة “بمانهاتن الصحراء” بسبب مبانيها الطينية الشاهقة التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر. كانت نزهة جميلة قبل قضاء ليلتي الأخيرة في اليمن.
قبل الفجر بفترة وجيزة، وقفت خارج أبواب المطار حاملةً تذكرة السفر إلى عمّان في يدي. وانتظرت مع مجموعة أخرى من الطلاب، والمرضى الواهنين، وعدد قليل من العائلات، وغيرهم ممن على الأرجح بدأوا رحلتهم، مثلي، قبل ساعات طويلة.