تفاعلا مع كتاباتي الأخيرة عن دثينة جاءتني الكثير من الاستفسارات والتساؤلات من بعض أبناء دثينة ومن غيرها من المناطق وكذلك من بعض المغتربين في الخارج وسوف أحاول هنا تلخيص بعض الأمور المتعلقة بدثينة وإيضاح بعض الجوانب التي كثر السؤال عنها.
قال العلامة بامخرمة المتوفي سنة 947 هج :
الدثيني نسبة إلى دثينة صقع معروف باليمن بناحية أبين وهي بلاد شاسعة... وقاعدتها قرية كبيرة تسمى(الحافة) وسلاطينها الهياثم وكان مقدمهم آل قاحل.. والمتقدم فيهم اليوم حيدرة بن مسعود وولده محمد.
النسبة إلى المواضع البلدان
(1/ 297)
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان(2/ 439) :
دثينة قرية باليمن
وقال ابن الأثير في اللباب(2/ 101):
الدثينة ناحية قرب عدن لها ذكر في حديث أبي سبرة النخعي.
وبمثله قال الفتني.
وقال بها الدين الجندي في السلوك(2/ 455) :
دثينة بلد العرب الذين يعرفون بالجحافل.
قال الخزرجي في العقود اللؤلؤية حوادث سنة 694 هج وما قبلها :
وفي سنة 655 هج تقدم السلطان الملك المظفر [الرسولي] إلى بلد الجحافل من دثينة وما والاها.
وفي (إدارك الفوت) : الجحافل قبيلة من مذحج ورد ذكرها كثيرا في كتاب العقود اللؤلؤية للخزرجي تسكن... دثينة.
إذن فمنطقة دثينة بلاد شاسعة تمتد من أطراف البيضاء إلى البحر العربي ومن الجبال السود وأحيانا من سهل يرامس إلى وادي ميفعة، فتدخل فيها اليوم مناطق لودر ومكيراس وبقية الكور ومودية والوضيع والمحفد وحطيب وامصرة والوضيع وجيشان ....
والثقل السكاني قديما كان فيها لسعد العشيرة بن مذحج وعلة بن جلد بن مذحج
وهي قبائل العواذل وقبائل النخع، والنخع سموا فيما بعد بالجحافل نسبة إلى جدهم جحفل وهو
جحفل بن جشم بن عوف بن النخع بن عمرو بن علة بن جلد.
وكان له أخ يسمى هلال بن عمرو بن جشم بن عوف بن النخع وهو جد قبائل بني هلال شبوة وهذا يؤكد أن هلال شبوة قبيلة نخعية علهية مذحجية.
وفي دثينة أيضا قبائل باكازم الكندية والعلهين.
أما الجحافل النخع فهم قبائل المنطقة الوسطى اليوم:
(عرمان والسعيدي والحسني والميسري وآل بليل ومن بقى يحتفظ باسم النخعين)
ولهذا لن تجد أي ذكر للنخع في حوادث ما بعد القرن السادس الهجري بل تحول اسمهم إلى الجحافل ثم الهياثم، والهياثم بيت من الجحافل فكل هيثمي جحفلي وكل جحفلي نخعي وكل نخعي علهي وكل علهي مذحجي.
فمنطقة دثينة التاريخية والتي ذكرت في نقش النصر قبل الميلاد بأكثر من سبعة قرون هي منطقة غالبها علهية مذحجية.
ومذحج كبرى قبائل اليمن وهي أحد جماجم العرب كما قال ابن الكلبي.
وقد شهد معركة بدر من مذحج عمار بن ياسر وعامر بن ربيعة العنسيان رضي الله عنهما ومن مذحج عدد من الصحابة منهم فارس الجاهلية والإسلام عمرو بن معدي كرب بطل القادسية ونهاوند رضي عنه.
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على مذحج فقال :" أكثر القبائل في الجنة مذحج"
رواه أحمد(19446)
والبزار والطبراني والحاكم وصححه الألباني
السلسلة الصحيحة للألباني (2606) .
ثم تعود قبائل الجحافل النخع والعلهين إلى قبيلة علة بن جلد والعواذل إلى سعد العشيرة وكانوا هم أبطال القادسية حتى أن عمر بن الخطاب سألت عمرو بن معدي عن بلاء علة و سعد العشيرة في حروب العراق فقال له :
ما قولك في علة بن جلد؟ فقال : أولئك فوارس أعراضنا وشفاء أمراضنا وأقلنا هربا.
قال عمر : فسعد العشيرة ؟
قال : أعظمنا خميسا وأكبرنا رئيسا.
يريد أن سعد العشيرة أكثر مذحج جيشا وأكبرهم في الرياسة والتقدم وأشدهم بأسا وشجاعة فقد جمعوا بين الكثرة والرئاسة والشدة
ابن الأثير( منال الطالب)
ابن حزم الجمهرة 387
الفائف للزمخشري(2/ 68)
القادسية يوم دثينة
أما يوم القادسية فهو يوم دثينة بامتياز ومعركة القادسية هي أكبر معركة ضد الفرس وهي المعركة التي أسقطت الإمبراطورية الفارسية وإلى الأبد.
فحينما زحفت دثينة مع بقية القبائل اليمنية للمشاركة في الفتح زار عمر بن الخطاب معسكر دثينة خارج المدينة قبل توجههم إلى العراق والشام فلما رآهم تعجب منهم وقال : يا معشر النخع إن الشرف فيكم لمتربع سيروا مع سعد... فسرح نصفهم إلى العراق ونصفهم إلى الشام فكانوا أبطال أعظم معركتين في عهد الخلفاء الراشدين معركة القادسية ومعركة اليرموك.
فقد حضر القادسية من(نخع دثينة) أكثر من(2300) بالإضافة إلى (700) امرأة ..
ابن جرير(3/ 82)
ابن عساكر(65/ 100)
ولما نشبت معركة القادسية كان ثلث الجيش من مذحج وتولى نخع دثينة ثقل المعركة حتى قال الأعمش عن مالك بن الحارث: كنت لا تشاء أن تسمع يوم القادسية: أنا الغلام النخعي إلا سمعته.
مصنف ابن أبي شيبة(7/ 718)
وحتى كان الغلام النخعي يسوق ستين من أسرى الفرس في تلك المعركة.
ابن جرير(2/ 478)
وبسبب توليهم ثقل المعركة استشهد كثير منهم وهم مقبلون على الموت ينشدون الأشعار وهذا ما لفت نظر عمر بن الخطاب فقال : ما شأن النخع أصيبوا من بين سائر الناس ؟ أفر الناس عنهم ؟
قالوا : لا ، ولكنهم ولوا أعظم الأمر وحدهم.
ابن أبي شيبة
ابن جرير
وشاركت دثينة في معركة اليرموك ضد الروم بقيادة خالد بسبعمائة مقاتل وكان حامل رايتهم يزيد بن أرطأة النخعي فلما قتل حملها الأشتر...
تاريخ ابن عساكر(65/ 101)
وقد انتشر أبناء دثينة في الأرض بعد القادسية واليرموك حتى وصل بعضهم خرسان وإلى بخارى في جمهورية أوزباكستان وماتوا هناك، ومنهم من وصل إلى المغرب والأندلس وجنوب فرنسا ولكنهم ظلوا يحنون إلى مرابعهم في أبين حتى قال شاعرهم مالك بن عبد الله النخعي :
أراد أبو العريان حبسي وأهلنا
بأبين أقصى الأرض ممسا ومصبحا
معجم الشعراء للمرزباني(297)
توفي المرزباني سنة 363هج ...
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على نخع دثينة فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع أو يثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم.
رواه أحمد والبزار والطبراني
قال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات مجمع الزوائد رقم (16595)
وصححه أحمد شاكر وشعيب الأرناؤط في تحقيق المسند
وقال ابن حجر إسناده حسن(اتحاف المهرة 7/ 703) .
وبالعودة إلى جغرافية دثينة فقد نزلها معاذ بن جبل قادما من الشحر وهو أول من دعاهم إلى الإسلام
ونزلها عكرمة بن أبي جهل قادما من المهرة بعد حروب الردة وقد أكد له النخع أنهم ثبتوا على الإسلام.
ابن جرير(2/ 320)
الذهبي ترجمة معاذ
تهذيب الكمال ترجمة أنيسة النخعية.
ودخلت دثينة في الإسلام وشغل المسلمون بالفتح والجهاد والتعمير وركز التاريخ على المناطق المركزية في العالم الإسلامي.
ودخلت دثينة كغيرها في سلطان الدول المتوالية
الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك
والرسوليين والطاهريين والعثمانيين والقاسميين.
ثم برز اسم دثينة في صراعاتها مع الدولة الرسولية فذكرها مؤرخو الدولة الرسولية(بامخرمة والخزرجي ومصنف مجهول).
ويتحصل من كلامهم أنها نشأت في دثينة دولتان للنخع
الأولى دولة الجحافل واستمرت قرابة قرنين من الزمان وكانت من حواضرها مدينة (دار زينة)
تاريخ المستبصر(93)
وقد سقطت دولة الجحافل عام 837هج تقريبا ...
ونهضت بعدها دولة الهياثم، والهياثم بيت من الجحافل(يقال لهم أهل قاحل) كما ذكر ذلك معاصرهم بامخرمة...
واستمرت دولة الهياثم الجحفليين النخعيين من عام 837هج حتى نهاية القرن الحادي عشر الهجري وسقطت عاصمتها (الحافة) بيد القاسميين الزيود الذين استولوا على جنوب اليمن بعد خروج العثمانيين من اليمن عام 1634م ....
بعد انسحاب القاسميين من الجنوب نشأت السلطنات الجنوبية فتمددت السلطنة الفضلية في الكثير من أرض دثينة وألحقتها بسلطانها وبقيت مساحات من دثينة تسودها الأعراف القبلية واستمرت ذلك الوضع حتى دخول بريطانيا.