أعلن قادة جيوش النيجر ومالي وبوركينا فاسو، المنضوية في إطار تحالف دول الساحل، الأربعاء في نيامي عن تشكيل “قوة مشتركة” لمحاربة التنظيمات الجهادية التي تشن هجمات في الدول الثلاث المحكومة من أنظمة عسكرية، وهي الخطوة التي سيكون من ورائها رابحون وخاسرون.
ويعدّ القرار أحدث مؤشّر على التوافق الوثيق الذي ظهر منذ أن قطعت الدول الثلاث، الواقعة في منطقة الساحل الوسطى التي مزقتها موجات التمرد في غرب أفريقيا، العلاقات العسكرية مع الحلفاء القدامى مثل فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وشكلت اتفاق تعاون يعرف باسم تحالف دول الساحل.
ويكشف التحالف الجديد عن حدوث تغيير في طريقة الاعتماد على القوى الخارجية في مواجهة الجهاديين، والانتقال من الاعتماد على فرنسا إلى الرهان على دور روسيا في هَزْم المتشددين عبر مجموعة فاغنر التي تتولى مساعدة الجيوش المحلية وتدريبها على حرب العصابات.
وأدارت المستعمرات الفرنسية الثلاث السابقة ظهورها لباريس وتقاربت مع شركاء جدد أبرزهم روسيا، قبل أن تنشئ تحالف دول الساحل بهدف تأسيس اتحاد فيدرالي مستقبلا.
ويرجح مراقبون أن تشرف روسيا على تشكيل وتنظيم هذه القوة، ما سيضفي شرعية على وجودها في تلك الدول ويبدد ما علق بفاغنر من اتهامات تتعلق بتدبير المؤامرات
والانقلابات وتحريك الصراعات العرقية والمناطقية. وبعد القطيعة مع فرنسا باتت الدول الثلاث مقتنعة بأن ضمان الاستقرار في منطقة الساحل دون الحفاظ على العلاقات مع روسيا سيكون أمرا صعبا.
ويقول كيستر كين كلوميغا، الباحث في الشؤون الأفريقية، ضِمْن تقرير نشره موقع "مودرن بوليسي" إنه “نظرا إلى عدم الاستقرار المزمن في معظم أنحاء أفريقيا والاهتمام الشديد بالحصول على المعدات العسكرية لمعالجة المشاكل الأمنية المتزايدة، خُلقت ظروف سوق قوية لروسيا تسمح لها بتنويع صادرات الأسلحة نحو أفريقيا”.
ويضيف كين كلوميغا أن “الافتقار إلى الأموال الكافية جعل البلدان الأفريقية الفقيرة تنخرط في نظام المقايضة، وشراء الأسلحة مقابل الوصول إلى الرواسب المعدنية والموارد الطبيعية”.
وكثيرا ما أوضحت وزارة الخارجية الروسية، في تصريحات نشرتها على موقعها الإلكتروني، أن التعاون العسكري الفني لروسيا مع الدول الأفريقية يهدف في المقام الأول إلى تسوية الصراعات الإقليمية ومنع انتشار التهديدات الإرهابية ومحاربة الإرهاب المتزايد في القارة.
ويفتح الإعلان عن التحالف العسكري الجديد الباب أمام توجه الدول الثلاث نحو مصادر جديدة للسلاح مثلما فعلت مالي من خلال الاستنجاد بالمسيرات التركية في حربها على الحركات الانفصالية، خاصة في ظل انكماش الدور الفرنسي وتحذيرات باريس من أن القطيعة معها توجه ضربة قوية للحرب على الإرهاب. وتراجع الحضور الغربي والفرنسي بشكل خاص في المنطقة، لاسيما في مالي وبوركينا فاسو؛ إذ سحبت فرنسا قواتها من البلدين، كما شرعت في سحب قواتها من النيجر.
ولن يكون التحالف الجديد على حساب نفوذ فرنسا ومصالحها فقط، وإنما سيمتد إلى تحييد دول إقليمية مثل الجزائر التي كانت تجد في الحرب على الإرهاب مدخلا للتأثير في توازنات داخلية لدول مثل مالي والنيجر.
وقال رئيس أركان القوات المسلحة النيجرية الجنرال موسى صلاح برمو، في بيان صدر بعد اجتماع مع نظيريه في نيامي، إن “القوة المشتركة لأعضاء تحالف دول الساحل (…) ستبدأ النشاط في أقرب وقت ممكن للتعامل مع التحديات الأمنية في منطقتنا”.
وتنشط في العديد من البلدان الأفريقية، وخصوصا مجموعة دول الساحل الخمس، تنظيمات متطرفة، تشن من حين إلى آخر هجمات تستهدف ثكنات عسكرية وأجانب، كما تعاني دول ضمن المجموعة من انتشار الفقر والاضطرابات السياسية. ولم يتم توضيح الإطار المنظم للقوة المشتركة وعدد عناصرها. لكن الجنرال برمو قال “نحن مقتنعون بأنه من خلال الجهود المشتركة لبلداننا الثلاثة، سننجح في تهيئة الظروف للأمن المشترك”.
وشدد على أن الجيوش الثلاثة تمكنت من “تطوير مفهوم عملياتي… سيجعل من الممكن تحقيق الأهداف في ما يتعلق بالدفاع والأمن” في الأراضي الشاسعة للدول الثلاث. وأطاح عسكريون بالحكومات المدنية في النيجر وبوركينا فاسو ومالي خلال انقلابات متتالية منذ عام 2020، فيما تواجه جميعها منذ أعوام أعمال عنف جهادية متكررة ودامية.
وأعلنت الدول الثلاث في نهاية يناير الماضي أنها ستنسحب من مجموعة دول الساحل الخمس. وقالت في بيان مشترك إن شعوبها تلاحظ أن إيكواس ابتعدت عن مُثُل آبائها المؤسسين وعن الوحدة الأفريقية. وفي المقابل أكدت إيكواس أن بوركينا فاسو ومالي والنيجر مازالت تمثل أعضاء مهمين فيها وأنها مصممة على إيجاد حل تفاوضي للمأزق السياسي في هذه البلدان.