بعد أكثر من عشر سنوات على اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، لا تزال الحكومة الشرعية برئاسة رشاد العليمي عاجزة تمامًا عن استعادتها، مكتفية بالإقامة في الخارج، في مشهد عبثي يؤكد فشلها الكامل في إدارة الدولة.
هربت من صنعاء... وجاءت لتحكم الجنوب!
من المفارقة أن هذه الحكومة نفسها تسعى اليوم إلى فرض سلطتها على المحافظات الجنوبية، التي تم تحريرها على يد أبنائها في أقل من أربعة أشهر خلال عدوان 2015م. الجنوب الذي قاوم وانتصر، صار يُكافأ بفرض حكم قوى شمالية لم تستطع تحرير شبر من أرضها المحتلة وشعبها لا يقاتل لاستعادها.
من قتل أبناء الجنوب يعود اليوم لحكمهم؟
شارك حزب المؤتمر الشعبي العام، بقيادة علي عبدالله صالح واسرته، في غزو الجنوب عام 2015م إلى جانب الحوثيين، موقعًا آلاف الشهداء والجرحى. واليوم، يقف ابن أخيه طارق صالح، عضوًا في المجلس الرئاسي الذي يدّعي تمثيل "الشرعية".
فأي شرعية هذه التي تُكافئ القتلة بالمناصب؟
وإلى متى نظل نرى من سفك دماء أبناء الجنوب يعود ليحكمهم باسم وحدة انتهت فعليًا منذ عقود؟
دماء الجنوب لا تُنسى:
- حرب 1994: قُتل ما بين 7,000 إلى 10,000 شخص، وعشرات الآلاف من الجرحى وتم تهجير أكثر من 500,000 مواطن جنوبي خلال اجتياح الجنوب واسقاط دولته بالقوة من قوات صالح والاصلاح وبقية الأحزاب اليمنية.
- الحراك السلمي (2007–2014): أكثر من 898 شهيدًا جنوبيًا وآلاف الجرحى سقطوا في المسيرات السلمية، الاغتيالات والقصف من قوات صالح والاصلاح.
- عدوان 2015: أكثر من 7,000 شهيد و15,000 جريح جنوبي سقطوا في مقاومة الحوثي وقوات صالح.
فأين العدالة الانتقالية؟
أين المساءلة الحقيقية بحق من ارتكب كل هذه الانتهاكات؟ من قتل وسفك دماء الجنوبيين لا يمكن أن يُعاد تأهيله سياسيًا دون محاسبة.
أن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة في المواد (1/3)، (55)، و(56) تؤكد على احترام حقوق الإنسان والتعاون الدولي لضمانها.
وقد جاء ذلك صريحًا في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عام 2004 بعنوان:
"سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات ما بعد النزاع" (S/2004/616)، الذي نص على:
"لا يمكن بناء سلام دائم في أي بلد خارج إطار المساءلة. فالعدالة الانتقالية تعني التحقيق في الانتهاكات، ومحاسبة الجناة، وضمان حقوق الضحايا."
والمفارقة العجيبة...
في كلاً من مصر، ليبيا وتونس لم يعد أبناء حسني مبارك او القذافي او رموز بن علي إلى السلطة بعد الثورة.
تلك الثورات حظيت بشرعية دولية، تمامًا كحال اليمن. ومع ذلك، حكومة العليمي وحدها هي من أعادت منظومة علي عبدالله صالح للواجهة، بل وذهبت أبعد من ذلك بتقديم رسالة رسمية إلى مجلس الأمن تطالب برفع الحظر عن أموال علي عبدالله صالح ونجله أحمد علي، وهي الأموال التي تستخدم اليوم في حرب تركيع الشعب الجنوبي بالخدمات، والعودة للمشهد السياسي في الجنوب والسطو مجددًا على ثرواته النفطية والاقتصادية.... يجب على المحامين الجنوبيين ان يقدموا الجناة الى المحاكم المحلية وان تعذر ذلك فإلى المحاكم الدولية لينالوا جزاء ما اقترفوه بحق شعب الجنوب وان يتم مصادرة الأموال في البنوك وتعويض اسر الضحايا والجرحى في حروب 1994م ،2015م والحراك السلمي (2007-2014م). فمكان هؤلاء المجرمون خلف قضبان السجون وليس على كراسي السلطة وايديهم ملطخة بدماء الجنوبيين.
الواقع يفرض اليوم أن يتولى أبناء الجنوب إدارة مؤسساتهم، والسيطرة الكاملة على أرضهم، وتشكيل حكومة جنوبية على كامل حدود دولتهم ما قبل 22 مايو 1990م.
ذلك ليس طموحًا سياسيًا، بل حق تاريخي وقانوني وإنساني، تدعمه الإرادة الشعبية والواقع الميداني.
الجنوب لن يُحكم إلا بأهله.... والقضية الجنوبية لا تسقط، بل تزداد رسوخًا.
ودماء شهدائنا لن تذهب سدى، بل ستكون نورًا يُنير ظلامنا، ويهدي طريقنا نحو الحرية والكرامة واستعادة دولتنا.