تواجه أستراليا اليوم مأساة حقيقية، متمثلة باندلاع حرائق مستعرة، التهمت مناطق كبيرة من البلاد، قتلت العشرات ونزحت الآلاف، في كارثة اعتبرها خبراء المناخ غير مسبوقة.
ويستعر أكثر من 200 حريق في ولايتي نيو ساوث ويلز وفيكتوريا في جنوب شرق أستراليا، تؤججها درجات الحرارة المرتفعة والرياح العاصفة.
ووصل عدد القتلى في موسم الحرائق الراهن الذي بدأ في سبتمبر، 23 شخصا، منهم 12 في حرائق الأسبوع الماضي فحسب، بالإضافة لـ500 ألف حيوان بري.
وبحلول مساء الجمعة، ظل 16 حريقا مشتعلا في فيكتوريا بمستوى حالة الطوارئ أو الإجلاء، و12 حريقا في نيو ساوث ويلز بمستوى حالة الطوارئ، إضافة إلى 100 حريق في ولايات أخرى. وبدأت حرائق جديدة في الاشتعال بينما خرجت أخرى عن نطاق السيطرة.
ماذا يحدث بالضبط؟
اندلعت العشرات من الحرائق في منطقة نيو ساوث ويلز في أستراليا في نوفمبر، وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء القارة، لتصبح واحدة من أكثرها فتكا على الإطلاق.
وقد أحرقت الحرائقمساحة تبلغ حوالي ضعف مساحة دولة بلجيكا ، أي حوالي 15 مليون فدان، ليتم تدمير أكثر من ألف منزل بالكامل، وتسببت بأضرار لمئات آخرين.
ومع اشتداد النيران في الأيام التي سبقت عشية رأس السنة الجديدة ، سعى الآلاف من الأشخاص الذين أجبروا على النزوح، إلى البحث عن ملجأ على الشواطئ، قرب نيو ساوث ويلز وفيكتوريا.
أما الدخان الناتج فيمثل كارثة أخرى، حيث سجلت العاصمة الأسترالية سيدني في الاول من يناير أسوأ تلوث في التاريخ، بارتفاع "مؤشر جودة الهواء" 23 ضعفا عن ما يعتبر "هواء خطيرا".
ووصل مستوى الدخان إلى غرف الولادة في المستشفيات، وأوقف أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي عن العمل، وأثار ضائقة تنفسية لامرأة عجوز، توفيت بعد وقت قصير من نزولها من طائرة.
الدخان وصل حتى إلى نيوزيلندا المجاورة، على بعد 1600 كم، وضحت بشكل كبير على قمم الجبال المغطاة بالجليد.
على الرغم من نشوب حرائق في جميع الولايات الست في أستراليا، إلا أن ولاية نيو ساوث ويلز عانت من الأسوأ، وفقا لموقع "ذا فيرج".
من المحتمل أن يكون ما يقرب من نصف مليار حيوان، بما في ذلك الثدييات والطيور والزواحف، قد فقدوا أرواحهم في الحرائق في نيو ساوث ويلز وحدها - وهي خسارة مذهلة قد تكون أرقامها الحقيقية أكثر من ذلك، وفقا لجامعة سيدني.
ولقي 8 آلاف من دبب الكوالا حتفهم، أي ثلث عدد الكوالا في نيو ساوث ويلز، كما تم القضاء على حوالي 30 بالمئة من المناطق الطبيعية التي تتربى فيها الكوالا.
ما علاقة التغير المناخي؟
العواصف ليست جديدة على أستراليا. الجو هناك عادة ما يكون حارا وجافا، على غرار الظروف في ولاية كاليفورنيا الأميركية، أو منطقة البحر الأبيض المتوسط.
لكن غابات الأوكالبتوس في أستراليا لها علاقة فريدة بالنار؛ فالأشجار تعتمد في الواقع على النار لإطلاق بذورها.
لكن حرائق هذا الموسم لم يسبق لها مثيل، فهو موسم حريق مبكر، وحجمها كبير جدا في وقت مبكر جدا، ، في وقت مبكر جدا، فالحالة الجوية المغذية للنيران "تاريخية"، وفقا لخبراء الطقس في أستراليا.
تؤدي الحرارة الشديدة والجفاف إلى زيادة توفر المواد القابلة للاشتعال، مما يؤدي لارتفاع وتيرة الحرائق، وهو ما حذر منه علماء البيئة لأعوام.
وتقول أستاذة علوم الحرائق بجامعة أيداهو الأميركية، كرستال كولدن: "الحقيقة هي أن هذه هي نتيجة تغير المناخ - هذه الحرارة الشديدة، هذه الظروف القاسية شديدة التقلب والتي تنتج حرائق الموسم المبكر الذي لا نراه عادة في أستراليا".
كيف تتم محاربة الحرائق؟
تعتمد أستراليا اعتمادا كبيرا على رجال الإطفاء المتطوعين، وخاصة في الأدغال الريفية، حيث تشتعل الكثير من الحرائق.
وتعتمد استجابة الحرائق بشكل كبير على الجهود المجتمعية، مقارنة بأماكن مثل الولايات المتحدة التي تعتمد على نظام مركزي لإدارة الحرائق.
وأدت الأزمة الحالية إلى بعض التغييرات في السياسة، فعندما غاب المتطوعون عن العمل لمحاربة الحرائق المحلية ، أعلن رئيس وزراء أستراليا في ديسمبر أنه سيتم تخصيص رواتب لكل متطوع، في محاولة لحث المواطنين على التطوع.
ولتعزيز القوات المحلية، أرسل الجيش الأسترالي طائراته وسفنه الخاصة، كما استعان أيضا بمساعدات من الخارج، وخاصة من الولايات المتحدة وكن، اللذان أرسلا رجال إطفاء لمحاربة الحرائق.
وأكد الخبراء أنه في ظل الظروف القاسية، لا يوجد الكثير مما يمكن لرجال الإطفاء فعله حتى يتم إخماد الحرائق.
مشاهد مؤلمة
قدر أكاديميون أن تكون الحرائق المدمرة المندلعة منذ أشهر في غابات أستراليا، قد قتلت نحو نصف مليار حيوان، وفقا لتقرير أصدرته جامعة سيدني.
وقال أستاذ البيئة بجامعة سيدني كريس ديكمان، إن أكثر من 480 مليون من الثدييات والطيور والزواحف نفقت بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب الحرائق المشتعلة في مختلف أنحاء البلاد.
وأضاف: "بعض الأشياء لن تعود أبدا. مثل ما يقرب من نصف مليار حيوان أليف".
وتابع: "نفقت الحيوانات إما بسبب النيران الملتهبة أو بسبب الجوع والعطش. ليس من السهل البقاء على قيد الحياة لفترات طويلة في تلك الظروف".
ودمرت الحرائق أكثر من 10 ملايين فدان، في حين تندلع يوميا تقريبا حرائق جديدة بسبب الطقس الحار والعاصف.
نزوح وقلوب محطمة
وتستمر موجة النزوح للسكان بأعداد كبيرة من "الولايات المحترقة"، ووجهت السلطات تحذيرا "سوداويا" للسكان: "من يقرر البقاء في منزله عليه أن لا يتوقع مساعدتنا"، في إشارة لحجم المعاناة التي يواجهها السكان والسلطات في مواجهة الكارثة.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون إن عدد القتلى في موسم الحرائق الراهن الذي بدأ في سبتمبر، بلغ 23 شخصا، منهم 12 في حرائق الأسبوع الماضي فقط.
وقامت خدمة إطفاء الحرائق الريفية بتحديث تحذيرات الطوارئ المتعلقة بالحرائق، حيث كررت نفس النصيحة لمن لم يتسن لهم المغادرة وقالت: "فات أوان الرحيل. ابحثوا عن مأوى لأن الحرائق تقترب".
ونشر السكان على مواقع التواصل الاجتماعي صورا للسماء التي اكتست باللونين الأسود والأحمر بسبب الدخان والحرائق المشتعلة، تشمل صورا في بلدة مالاكوتا في ولاية فيكتوريا، التي أجلي نحو مئة من سكانها عن طريق البحر الجمعة.
وأطلقت الحكومة الاتحادية استغاثة غير مسبوقة لقوات الاحتياطي في الجيش لدعم رجال الإطفاء، وطالبت بموارد أخرى منها سفينة بحرية ثالثة مجهزة لعمليات الإغاثة الإنسانية والإنقاذ من الكوارث.
ووصل أكثر من ألف من السكان والسياح الذين تقطعت بهم السبل على الشاطئ، بسبب حرائق الغابات في جنوب شرق أستراليا، إلى مدينة ملبورن السبت، بعد رحلة استغرقت 20 ساعة على سفينتين.
ووصل المراهقون والأزواج وكبار السن والعائلات، بالإضافة إلى العشرات من الحيوانات الأليفة، على متن السفن البحرية في ميناء هاستينغز، ثم نُقلوا في حافلات إلى مركزين للإغاثة.
وحملت هذه السفن سكانا تركوا منازلهم تحترق، وتركوا مدنهم التي قد لا يعودوا لها، بحثا عن النجاة بأي ثمن.