أكد رئيس وحدة المفاوضات في المجلس الانتقالي بجنوب اليمن د. ناصر الخبجي دعم الانتقالي لأية جهود إقليمية أو دولية تهدف إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام، بما في ذلك محادثات السلام بين السعودية وجماعة الحوثي، المعروفة بخريطة الطريق، لافتا إلى أن هذا الموقف ينطلق من الحرص على إيجاد حل شامل ومستدام يعالج جذور الأزمة في اليمن، وفي مقدمتها قضية الجنوب.
على مقربة من عدن، العاصمة الموقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تشهد السواحل اليمنية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وصولاً إلى مضيق باب المندب، تطورات عسكرية وأمنية متسارعة. وتتمثل هذه التطورات في تصعيد جماعة الحوثي لعملياتها ضد الملاحة البحرية، بالتوازي مع ضربات جوية أميركية تستهدف مواقع في عدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
في حوار مع "اندبندنت عربية"، علّق رئيس الهيئة السياسية وعضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس وحدة المفاوضات الدكتور ناصر الخبجي على التطورات المتسارعة التي تشهدها اليمن قائلاً "ما يحدث يضع الجنوب والمنطقة برمتها أمام تحديات خطرة، تتطلب تعاملاً مسؤولاً من جميع الأطراف المعنية. ونحن في المجلس الانتقالي نؤيد كل الجهود الدولية الرامية إلى ردع التهديدات الإرهابية التي تستهدف الأمن الإقليمي والدولي، ونشدد في الوقت ذاته على أهمية أن يكون لأبناء الجنوب دور فاعل في صيانة أمنهم وحماية مصالحهم الحيوية ضمن أية ترتيبات مستقبلية".
وأضاف أن "هذه الأحداث تعكس هشاشة الوضع وعمق التهديد الذي تشكله هذه الجماعة للأمن الإقليمي والدولي، مما يستدعي أن تكون أية تسوية مقبلة واقعية وملزمة، تضع حداً فعلياً لنفوذ الميليشيات المسلحة، وتحترم إرادة الأطراف الوطنية الفاعلة، وفي مقدمتها شعب الجنوب وقواه السياسية".
وشدد الخبجي على أن "الحل الجذري للأزمة يكمن في معالجة الأسباب السياسية للصراع"، ومن بينها تمكين الجنوبيين من تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الدائم في المنطقة.
مع خريطة الطريق
في ما يخص الحرب اليمنية التي تدخل عامها الـ10 وآفاق إحلال السلام، يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي دعمه لأية جهود إقليمية أو دولية تهدف إلى إنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سلمية، بما في ذلك المحادثات الجارية بين السعودية وميليشيات الحوثي، والمعروفة بـ"خريطة الطريق".
ويشدد رئيس وحدة المفاوضات على أن هذا الموقف "ينطلق من حرصنا على إنهاء معاناة شعبنا وفتح آفاق لحل شامل ومستدام يعالج جذور الأزمة اليمنية، وفي مقدمتها قضية الجنوب".
ويضيف الخبجي أن "خريطة الطريق" تتضمن خطوات تدريجية تشمل وقف إطلاق النار والدخول في عملية سياسية شاملة، إلى جانب معالجات اقتصادية وإنسانية عاجلة، لكنه يوضح أن نجاح أية خريطة للسلام "يظل مرهوناً بحضور القضية الجنوبية كقضية محورية على طاولة المفاوضات.
بين النجاح والفشل
وتحل في مايو (أيار) المقبل الذكرى الثامنة لتأسيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" في عدن وعدد من بلدات الجنوب، وكان الخبجي من بين مؤسسيه، فيصف تلك اللحظة بأنها "محطة مفصلية في مسار النضال السلمي والسياسي من أجل استعادة الدولة الجنوبية، الدولة التي اتحدت مع شمال اليمن عام 1990".
وعند سؤاله عن حصيلة هذه السنوات، ما الذي حققه المجلس؟ وأين أخفق؟ أجاب الخبجي أن "المجلس حقق خلال الأعوام الماضية عدداً من الإنجازات، من أبرزها تعزيز الحضور السياسي الجنوبي على المستويين الإقليمي والدولي، وترسيخ القضية الجنوبية كملف رئيس على طاولة الحوار، إضافة إلى تأسيس بنية مؤسسية تشمل الجانب السياسي والعسكري والأمني".
ويتابع "شاركنا بفاعلية في اتفاق الرياض ومفاوضات الحل الشامل، بصفة المجلس ممثلاً رئيساً لقضية الجنوب، كما أسهمنا في حفظ الأمن والاستقرار في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، وواجهنا محاولات قوى الإرهاب والتطرف لزعزعة الأمن، واستعدنا القرار الجنوبي من الهيمنة المركزية".
وفي معرض إجابته عن الشق الآخر من السؤال، أقرّ الخبجي بوجود جوانب شابها القصور خلال مسيرة المجلس، سواء في وتيرة بناء المؤسسات، أو في أداء بعض الأجهزة تجاه هموم المواطنين اليومية، ولا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة التي أثقلت كاهل السكان.
وأوضح أن هذه الإشكاليات باتت اليوم في صلب عملية المراجعة والتقييم الداخلي، مشيراً إلى أن المجلس شرع فعلياً في خطوات تصحيحية تهدف إلى معالجة مكامن الخلل، عبر إعادة هيكلة شاملة وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة وتوسيع نطاق الشراكة الوطنية مع مختلف القوى والمكونات الجنوبية.
خيارات مرحلية مشروطة
ويؤكد رئيس وحدة المفاوضات في المجلس الانتقالي الجنوبي أن موقف المجلس "ثابت وواضح"، ويتمثل في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدود ما قبل الـ21 من مايو (أيار) عام 1990.
لكنه يكشف في المقابل عن انفتاح المجلس على "خيارات مرحلية أو ترتيبات انتقالية لا تمس جوهر هذا الهدف"، مشدداً على أن تلك الخيارات يجب أن تلبي تطلعات شعب الجنوب في الشراكة والندية، وتسهم في استقرار المنطقة وتحقيق سلام عادل ودائم.
ويضيف أن "انفتاحنا يأتي من موقع قوة ومسؤولية وطنية، ومن إدراك عميق لتعقيدات المرحلة الراهنة، من دون أن يعني ذلك أي تفريط أو تنازل عن الحقوق الوطنية المشروعة لشعب الجنوب".
تحديات المرحلة
ويتناول الخبجي أبرز التحديات التي تواجه المجلس في المرحلة الراهنة، وعلى رأسها استمرار التهديدات الأمنية والإرهابية، ومحاولات بعض القوى زعزعة الاستقرار في المحافظات الجنوبية.
كما يشير إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يرزح تحتها المواطنون، نتيجة تداعيات الحرب وتدهور مؤسسات الدولة والخدمات الأساسية، فضلاً عن محاولات إقصاء الجنوب من مسار العملية السياسية وفرض رؤى لا تعبّر عن تطلعات شعبه في استعادة دولته وهويته.
تطوير للتحديات
ويعِدّ المجلس الانتقالي الجنوبي جملة من الإجراءات لمواجهة التحديات، تشمل تعزيز دور المؤسستين الأمنية والعسكرية ضمن الشراكة مع التحالف العربي وإطلاق إصلاحات لتحسين أداء المؤسسات الخدمية وتخفيف الأعباء المعيشية، مع التمسك بالمسار السياسي التفاوضي لضمان حق الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته.
ورداً على انتقادات حول الشللية وتباطؤ الهيكلة التنظيمية، يؤكد الخبجي أن عملية إعادة الهيكلة لم تتوقف، بل تُنفذ بصورة مرحلية ومدروسة، وتشمل مختلف مستويات المجلس ضمن رؤية تطويرية تهدف إلى تعزيز الأداء وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.
رسالة سياسية
وخلال رمضان الماضي، زار رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي عدداً من محافظات الجنوب، وهي جولة أثارت انتقادات من بعض القوى المناوئة، وُصفت بأنها "مستفزة" للسلطات المحلية.
لكن الخبجي يوضح أن الهدف من الزيارة كان تعزيز التواصل المباشر مع المواطنين وتلمّس حاجاتهم ومتابعة أداء السلطات المحلية ضمن مؤسسات الحكومة الشرعية، إلى جانب تقييم الأوضاع الأمنية والخدمية.
ويؤكد أن الجولة عززت الثقة بين القيادة والمجتمع، ووجهت رسالة سياسية مفادها بأن القيادة حاضرة إلى جانب شعبها في كل الظروف.
تحفيز لا هجوم
وفي رده على سؤال حول انتقاداته الحادة لمجلس القيادة الرئاسي خلال منتدى اليمن الدولي الثالث في العاصمة الأردنية عمان، على رغم أن "الانتقالي" شريك في المجلس بثلاثة من أصل ثمانية أعضاء، يؤكد الخبجي أن مشاركة الانتقالي تأتي من منطلق المسؤولية الوطنية، وأن الشراكة لا تعني الصمت عن الاختلالات التي تمس مصالح المواطنين أو قضية الجنوب.
ويشدد على أن الانتقاد الذي وجهه "لم يكُن هجوماً، بل دعوة صريحة إلى الإصلاح وتحفيز الأطراف على التزام روح الشراكة وتفاهمات المرحلة"، مؤكداً أن المجلس الانتقالي يرفض أن يكون مجرد شاهد صامت على تراجع الأداء أو تهميش الجنوب، قائلاً "ننتقد لنُصلح، ونراجع لنحافظ على توازن المرحلة".
حضرموت والحوار الجنوبي
وفي ما يخص إعلان الحكم الذاتي في حضرموت بدعوة من الشيخ عمر بن حبريش، يؤكد الخبجي أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتابع هذه التطورات باهتمام، ويعبّر عن احترامه لمكانة بن حبريش الاجتماعية والوطنية.
ويشير إلى أن تلك المبادرات "لا تُعد تهديداً"، بل رسائل تستدعي الإصغاء والحوار، مشدداً على أن أي طرح يجب أن يناقش ضمن إطار جنوبي جامع يعزز التفاهم والشراكة، ويضيف أن الإعلام الجنوبي يعكس تفاعلات الرأي العام، وليس موقفاً عدائياً.
ويختم بالقول "نحن في الانتقالي نمد أيدينا للجميع، وفي مقدمتهم رموز حضرموت، لبناء مشروع وطني يضمن لحضرموت موقعها المستحق في مستقبل الجنوب".
4 عقود في غمار السياسة والحقوق
على مدى نحو أربعة عقود، مارس ناصر الخبجي العمل السياسي والحزبي بشغف والتزام، مستلهماً فنه وأخلاقه من مدرسة الحزب الاشتراكي اليمني التي عرف عنها قربها من الناس. وأسهمت شخصيته الكاريزماتية في صعوده إلى مختلف المستويات التنظيمية في الحزب، من القاعدة إلى المركز، خصوصاً بعد حرب 1994 التي انتهت بسيطرة تحالف الشمال، المكوّن من حزبي "المؤتمر الشعبي العام" و"التجمع اليمني للإصلاح"، على جنوب البلاد وإقصاء الحزب الاشتراكي من السلطة.
ومثّل الخبجي أحد أبرز وجوه الجيل الجديد في الحزب، وشهد تحوله من حزب حاكم إلى قوة معارضة. وعلى رغم ما تعرض له الحزب بعد الحرب من مضايقات ومصادرة لمقاره وملاحقة كوادره وإقصائهم من السلطة، بل هجرة بعضهم، ظل الخبجي من أبرز القيادات التي تمسكت بخيار الحزب في النضال السياسي السلمي، مستلهماً صلابته من إرث بلدته ردفان في محافظة لحج التي أطلقت شرارة ثورة الـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1963، ونجحت بعد أربع سنوات في تحقيق الاستقلال وإنهاء الوجود البريطاني.
وعام 2003، انتخب الخبجي عضواً في مجلس النواب اليمني، قبل أن يصبح عام 2007 من أبرز القادة المؤسسين لـ"الحراك الجنوبي" الذي تبنى مطلب استعادة دولة الجنوب السابقة، وتميز بدوره الريادي في ترسيخ مفهومي التصالح والتسامح بين القوى الجنوبية، وكان من أوائل من تبنوا نهج المواجهة السلمية مع نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، قبل اندلاع ثورات "الربيع العربي".
ومع تصاعد الاحتجاجات عام 2011 ضد نظام صالح، ثم الانقلاب الذي نفذته ميليشيات الحوثي عام 2014، شهدت البلاد تغيرات جذرية في بنية الحكم، أبرزها سيطرة ميليشيات الحوثي على معظم مناطق الشمال.
وفي خضم تلك التحولات، عُيّن الخبجي عام 2016 محافظاً لمحافظة لحج، قبل أن يكون في العام التالي من بين القادة الأوائل الذين أسسوا "المجلس الانتقالي الجنوبي" في عدن، حيث كلفه رئيس المجلس عيدروس الزبيدي رئاسة الهيئة السياسية ووحدة المفاوضات.
مهندس "اتفاق الرياض"
عقب المواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة الموقتة عدن في أغسطس (آب) عام 2019 بين قوات الحكومة اليمنية وقوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" التي انتهت بسيطرة المجلس على المدينة، دعت السعودية طرفي النزاع إلى الحوار والتفاوض.
واختار "الانتقالي" رئيس وحدة المفاوضات والشؤون السياسية ناصر الخبجي لتمثيله في المحادثات، في حين مثلت الحكومة الشرعية شخصية سياسية بارزة هي سالم الخنبشي، محافظ حضرموت السابق.
واستمرت المفاوضات بين الجانبين لأكثر من شهرين وسط تباينات حادة في الرؤى والمطالب، غير أن الجهود السعودية أثمرت في نهاية المطاف عن توقيع "اتفاق الرياض" في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، في خطوة هدفت إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري في الجنوب ضمن إطار الشرعية اليمنية.
اندبيندتت عربية