لم تعد الحرب على غزة مجرد حدثٍ عابرٍ في نشرة الأخبار، بل أصبحت كارثة إنسانية متكاملة الأركان، تدمي القلب وتكشف حجم الظلم الذي يعيشه أكثر من 2.3 مليون إنسان محاصرين في رقعة جغرافية صغيرة، يتعرضون منذ 7 أكتوبر 2023 لأبشع أنواع القصف والتجويع والتشريد، وسط صمتٍ دولي مطبق.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي، تحولت غزة إلى مسرحٍ للدمار الشامل، حيث لا تفرّق الغارات بين منزلٍ أو مسجد، بين مستشفى أو مدرسة، بين طفلٍ أو امرأةٍ أو مسن. ومع ذلك، يواصل أبناء غزة صمودهم التاريخي، متمسكين بأرضهم وكرامتهم.
-إحصائيات صادمة
عدد الضحايا: وفقًا لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الأمم المتحدة، تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة منذ بداية العدوان 45,000 شخص حتى أبريل 2025، بينهم ما يزيد على 70% من النساء والأطفال.
النساء: قُصفت النساء في لحظات الولادة، وأثناء نومهن، وبينما كُنّ يبحثن عن مكان آمن لأطفالهن. كثيرات منهن قضين تحت الأنقاض أو أُصبن بإعاقات دائمة، ما يعكس الاستهداف المباشر للمدنيين في العمليات العسكرية.
الأطفال المتضررون: بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، قُتل أكثر من 13,000 طفل في غزة منذ بدء العدوان، كثير منهم تحت أنقاض منازلهم أو في أحضان أمهاتهم، وتحولوا إلى أرقام في بيانات الأمم المتحدة، بينما تبكي صورهم على شاشات العالم. آلاف آخرون يعانون من سوء التغذية الحاد.
عدد الجرحى: أُصيب أكثر من 115,475 شخصًا، بينهم آلاف فقدوا أطرافهم أو أُصيبوا بإعاقات دائمة. وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من 22,500 شخص تعرضوا لإصابات غيّرت مجرى حياتهم، كالبتر وإصابات الحبل الشوكي.
-استهداف الكوادر الطبية والإغاثية
أفادت تقارير الأمم المتحدة باستشهاد أكثر من 350 طبيبًا ومسعفًا، من بينهم 15 مسعفًا فلسطينيًا قتلنهم القوات الإسرائيلية ودُفنوا في مقبرة جماعية جنوب غزة. هذا الاستهداف المباشر للكوادر الطبية يُعدّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. كما تم استهداف عشرات سيارات الإسعاف والمراكز الصحية.
-استهداف المرافق المدنية
المرافق الصحية: تعرّضت العديد من المستشفيات والمراكز الصحية للقصف بشكل مباشر، بما في ذلك مستشفى ناصر في خان يونس ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ما أدى إلى سقوط شهداء من المدنيين والكوادر الطبية. تم تدمير أكثر من 35 مستشفى، فيما تعاني المستشفيات المتبقية من نقص حاد في الوقود والدواء.
المدارس والملاجئ: في حادثة مروعة، قُتل 27 شخصًا وأُصيب أكثر من 100 آخرين إثر قصف إسرائيلي استهدف مدرسة دار الأرقم في حي التفاح بمدينة غزة، والتي كانت تستخدم كمأوى للنازحين. وتضررت أو دُمّرت أكثر من 360 مدرسة ومنشأة تعليمية، بما فيها مدارس "الأونروا" التي أصبحت أهدافًا للقصف وسقط فيها العشرات من الشهداء.
المنازل المدمرة: تم تدمير أو تضرر أكثر من 370,000 وحدة سكنية كليًا أو جزئيًا، وترك أكثر من مليون شخص بلا مأوى. أكثر من 60% من منازل غزة دُمّرت أو تضررت.
المساجد والكنائس: تم استهداف أكثر من 180 مسجدًا وعدد من الكنائس التاريخية.
وسائل الإعلام: اغتيل عدد من الصحفيين، وتم استهداف مقرات إعلامية في محاولة لإسكات صوت الحقيقة.
محطات المياه والصرف الصحي: توقفت عن العمل، ما ينذر بانتشار الأوبئة.
-الوضع الإنساني المتدهور
الأمن الغذائي: يعاني سكان غزة من نقصٍ حاد في المواد الغذائية، وتقترب بعض المناطق من المجاعة. تشير تقارير الأمم المتحدة و"أوتشا" إلى أن أكثر من 80% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في ظل تعمد الاحتلال الاسرائيلي منع دخول المساعدات الإنسانية. الأسواق شبه خالية، والطعام بأسعار خيالية، ومياه الشرب ملوثة أو نادرة.
الخدمات الصحية: توقفت العديد من المستشفيات عن العمل بسبب القصف ونقص الوقود والإمدادات، ما يهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى. النظام الصحي على وشك الانهيار، حيث تُجرى العمليات الجراحية دون تخدير، وأقسام كاملة متوقفة.
منع الوقود: تسبب في شلل خدمات الإسعاف، وإغلاق المخابز والمولدات الطبية.
انقطاع الكهرباء: لا تتجاوز ساعات الكهرباء بين 1–3 ساعات يوميًا، ما أثّر بشكل كبير على أداء المستشفيات والمراكز الصحية.
النزوح الداخلي: نزح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني من منازلهم ، كثير منهم نزحوا مرات متكررة. يعيشون في مدارس ومراكز إيواء مدمّرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة أو خيام لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، في مشهد يُعيد مأساة النكبة الفلسطينية بأبشع صورها.
-شهادات من قلب المأساة
-قوة وإصرار
أم فادي، أم لطفلين استُشهد أحدهما في قصف على خان يونس، تقول: "دفنته بيدي، ولم أودّعه. لا ماء، لا كهرباء، لا دواء... لكننا لن نغادر. هذه أرضنا ولن يطردونا منها كما فعلوا بأجدادنا."
-ألم وصمود
الدكتور سليم، جراح في مستشفى الشفاء، يقول: "نجري العمليات الجراحية بدون تخدير. الأطفال يصرخون من الألم ونحن لا نملك خيارًا... لكننا باقون. هذه رسالتنا."
-وجع الأمهات
هدى، 36 عامًا، أم لخمسة أطفال، تقول: "هربنا من بيتنا بعد قصف المنزل المجاور. مشينا في الظلام ساعات، والأطفال حفاة، أحمل رضيعي على صدري. وصلنا لمدرسة أونروا، وجدناها ممتلئة، فبقينا في فناء المدرسة دون طعام ولا ماء. في اليوم التالي، قُصف الشارع المجاور، وأُصيب طفلي ذو الثلاث سنوات بشظايا... وما زلت أبحث عن دواء له."
-معاناة المسعفين
إبراهيم، مسعف ميداني، يقول: "نعمل بلا معدات كافية، ننقل الجرحى على الأكتاف أحيانًا، نعمل تحت القصف. استُشهد زميلي أحمد أثناء إنقاذ عائلة تحت الأنقاض. لم نجد وقتًا حتى لنبكيه."
-صمود الشعب الفلسطيني
رغم كل المعاناة، يواصل سكان غزة صمودهم:
الجهود التطوعية: الشباب يوزعون الطعام، يشاركون في الإنقاذ، والنساء يدِرن مراكز الإيواء ويُحضّرن الخبز يدويًا.
الدعم المجتمعي: العائلات تتكاتف، وتقدم الدعم النفسي والمادي للمتضررين.
الإصرار على الحياة: الأطفال يواصلون تعليمهم حتى في ظل الدمار، يرسمون الأمل على الجدران: "سنعود إلى بيوتنا"، "فلسطين لنا"، "الله معنا"، "غزة لا تموت".
رغم الجراح والدمار، لم تنكسر إرادة الغزيين. في كل زقاق، شباب يوزعون الخبز أو يزيلون الأنقاض، معلمون يُدرّسون في الخيام، عائلات تتقاسم الطعام. الصمود في غزة ليس خيارًا، بل قدرٌ مقدس.
-الصمت العالمي تجاه غزة
رغم أن المجازر تُبث مباشرة، إلا أن معظم حكومات العالم لم تتخذ موقفًا حاسمًا. مواقف باهتة من الغرب، بعضها يبرر العدوان باسم "حق الدفاع عن النفس". المؤسسات الدولية تقاعست، ولم تفرض هدنة أو تضمن إيصال مساعدات كافية. الأسوأ، استمرار الدعم العسكري لإسرائيل، ما جعل الضحايا يرون الأسلحة التي تقتلهم مدعومة من دول تدّعي حقوق الإنسان.
-غزة لا تموت
غزة تُقصف، تُجوع، تُحاصر... لكنها لا تموت. في كل زاوية من زوايا القطاع، هناك قصة بطولة: أمٌ صابرة، طبيب مناضل، طفل يحمل كتابه تحت القصف. هنا يُ
كتب التاريخ، لا بالحبر، بل بالدم والدموع والصبر.
إنه زمن غزة... وزمن الصمود.