القلم أول المخلوقات، وهو السلاح الفتاك الذي يستطيع صاحبه إطلاق صواريخه من أقصى الأرض فيصيب به خصماً في أدنى الأرض، وقوة القلم ودقة تصويبه تعتمد على الرامي وقدرته على التصويب، والقلم يمتلكه كل إنسان في هذه الأيام، ويستطيع كل واحد منا التصويب بقلمه، ولكن بعض الناس لا يستطيعون توجيه أقلامهم، بل أن رصاصاتهم لا تكاد تتجاوز فوهة أقلامهم، فالقلم الأول أجوف خاوٍ من كل الأفكار، همه التقليد وشعاره : وهل أنا إلا من غزية أن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد، فهذا قلم طبل لو اتخذ الناس فلاناً خصماً لاتخذه خصماً لدوداً، وإن عادوا عن غيهم عاد، فهذا قلم بهيمة حيثما أردت أن ترعى به رعيت.
وثاني الأقلام، قلم لا يرقى حتى إلا اسمه، بليد في كل شيء، ففي تعبيراته غموض، وكلماته غير مفهومة، رأى الميدان فسيحاً فانطلق يركض مع من ركض، ولا يدري المسكين إن للمضمار ضوابط، وليس كل من جرى عدَّاء، وليس كل من امتطى صهوة الحصان خيالاً، وليس كل من تكلم خطيباً، فالبحر الكل يراه، ويبتل بماءه، ولكن من يجيد السباحة فيه قليل.
وقلم ثالث سمج في كل شيء في طرحه وتفكيره، حتى في ألفاظه، لم يراعِ حرمة المكان الذي فيه يكتب، ولم يدرِ أن لكل مقام مقال، فتراه يشتم ويسب عمال على بطال، فالكل يقرأ والكل يتابع، والقلم السمج يخط رذيلة، ربما يعلم وربما لايعلم أن الخصام مع شخص لا يعني التجريح والفجور، لأن للخصم أحباب وأقارب وأصدقاء يجب مراعاة مشاعرهم، واحترام مكانتهم .
وقلم رابع قفل يكتب ولا يدري لماذا يكتب، ولأي شيء يكتب؟!!! لا يعلم أين هو، ولايدري لماذا يخط، ولماذا يلهث؟!!! قفل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
وقلم خامس مبدع تسيل كلماته ماء عذباً سلسبيلاً خالصاً، قلم كل ما يخرج من مبسمه عسل مصفى، كلماته لآلئ وسطوره من عسل النحل أحلى، دقيق الطرح، صادق في قوله، يصوب في نقده ولا يجرح، قلم مثقف مخلق، قوي الطرح حسن الألفاظ، يخدم ولا يهدم، يُمتع القارئ، ولا يجرح الخصم، سهامه تقع على الجرح فيطيب، لا يخط إلا صدقاً، ولا يتفوه إلا بكل جميل، فلا يكن قلمك من النوع الأول، واحذر الثاني، وتجنب الثالث، وإياك ثم إياك من الرابع، والزم الخامس وستنال محبة الجميع.
مقتبسات جميلة خطها قلمي في يوم من الأيام.