لا تُقاس الرجال بأعمارها و أطوالها و ألوانها ، و ضخامتها و نحافتها ، و لا تُعدّ بما تملك و بما لا تملك أو بما تحظى به من تابعين أو مقربين ، أو بكثرة الأهلين و البنين ، أو بمكانتها في السلطة أو بعدم مكانتها فيها .
إن الرجال تُقاس بمواقفها النبيلة و مسالكها الحميدة و أعمالها الجليلة و قيمها الرفيعة ، و قل الرجال في مثل هذه الحالات العليا إلا ما ندر ؛ و كان كالجوهر الفرد أو واسطة العقد أو أعلى ما في العَدّ و أرفع ما في الحد !!
و هكذا كان الشيخ المجواد و الرجل المرتاد ؛ الشيخ راجح با كريت النادر في هذا الزمان كالأحمر من الكبريت .
إنه بحضوره الشعبي و وجوده الجماهيري و إشراقه العام كالسحائب و الغمام فوق السهول و الآكام و في قلوب الأنام ؛ بحضوره ذاك كان (دولةً في رجل) ؛ و لأنه (دولةٌ في رجل) فقد خرج من كونه (رجلا في دولة) ! دولة لا تؤمن بالحق العام و لا بالرأي العام و لا بالأمن العام ، و لا تؤمن بالرجل المبادر كسيف الحق الباتر ؛ لسدها كل المعابر ، و رمي شعبها في المقابر !!
خرج الشيخ راجح با كريت من تلك الدولة التي اعتقدت أنها ستجعل من الشيخ راجح با كريت زرا في جهازها الحكومي تتحكم به كما تشاء ؛ تعطي الأوامر عبره ، و تمنع و تمنح بضغطة ؛ تحركه على هواها ، و نسيت أنه من الرجال أقواها و أبلاها و أنداها و أسداها للخير الوفير بين أيدي شعبه الفقير .
الشيخ راجح با كريت كان محافظا لمحافظة المهرة التي شهد التاريخ لأهلها من ايام الرسول (ص) و صحابته و غزوات المسلمين الأولى ؛ أن أاهل المهرة الذين أبوا إلا أن يكونوا مثل قادة قريش في مصر، و هم من شاع عنهم أنهم (يقتلون و لا بقتلون) في تلك المعارك و الغزوات ، و هم من أسقط جيش الروم في الاسكندرية ؛ فرضخ لمطالبهم الأمير و ساواهم بقادة قريش مالا و جاها و غنائم .
هؤلاء هم أهل المهرة الذي ما زال نسلهم يتوارث الأمجاد جيلا بعد جيل منذ فجر التاريخ الإسلامي إلى اليوم ؛ و ها هو الشيخ راجح با كريت يتصرف اليوم تصرف دولة بسيادتها محافظا للمهرة محققا اكبر إنجازاتها في مختلف عهودها المعاصرة و الحديثة ؛ و لأنه رفض أن يكون (رجلا في دولة) فاسدة تدار بأمرة المتنفذين من عساكر و قبائل و تجار حروب ؛ رفض أن يكون رجلا من رجالها الصم البكم فخرج منها ؛ خرج منها فصار (دولة في رجل) !
جاء إلى شبوة مع وفد المجلس الانتقالي الجنوبي ؛ فكان رجل الفعل الحقيقي بعيدا عن رجال القول الوهمي الذين رسموا في أذهانهم (برنامج وعي سياسي) لم يعوا حقيقة ذلك القول و مفهومه التوعوي و التوجيهي ، وليس لديهم إلا استعراض ما قد عرض ، و شرح ما قد شرح في لقاءاتهم السابقة ؛ الوجوه هي الوجوه ، و الأقوال هي الأقوال !!!
لم يتفرد بالفعل الحقيقي على الأرض إلا الشيخ راجح با كريت ؛ محافظ محافظة المهرة السابق الذي كان يد عون للجميع تثمر عطاءاته مشاريع و مشاريع ؛ لمؤسسة المكفوفين ، و مؤسسة المياه و مؤسسة الطلاب و الشباب ؛ إنه قد حل محل الدولة و محل المنظمات المحلية و العربية و الدولية التي لا يعرف أبوابها إلا المقربون و التابعون و السماسرة ، و كان دولة في فراغ تركته دولة المؤسسات الغائبة و الفاسدة و الظالمة .
ذلك الرجل كان يدا ممدودة للمحتاجين و الفقراء ، و كان مؤسسة لمشاريع كنا نعتقد أنها من مهام الدول و المؤسسات .
كان حقا (دولة في رجل) بعد ما غادر موقعه ك (رجل في دولة) فاسدة ؛ أبى أن يلوث يديه بأوزاها ، أو أن يرمي نفسه الأبية في مستنقعاتها العفنة .
كان رجل المبادرات الذاتية النابعة من الرؤية الفكرية الابتكارية للإبداع في أعمال إدارة الدولة المالية و الاقتصادية محققا بإرادته الشخصية حلم الوثوب نحو الآفاق بلا روتين أو تقليد أو عادة أو اتباع ؛ فأبدع في زمن الركود ، و حرك صخرات الجمود .
ناصر العيشي .
٢٠٢٥/١/١٢م .