في سلسلة مقالات علمية خلال اسبوعين متتاليين استعرض خلالها أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن الدكتور/علي ناصر سليمان الزامكي، حزمة حلول قدم فيها رؤية علمية تسهم في معالجة السياسة النقدية اليمنية، حيث تطرق فيها إلى أهداف السياسة النقدية، وأهمية الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني وانعكاس ذلك في الخروج من الأزمة المالية الحالية، وامتدادًا لهذه الحلول يختتم الزامكي هذه المقالات برؤية شاملة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحسين السيولة النقدية بما يعزز من استقرار الاقتصاد اليمني.
جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة
في هذا الجانب بيَّن الدكتور/ علي ناصر الزامكي أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن إن جذب الاستثمارات الأجنبية يأتي لتحسين السيولة النقدية وتعزيز استقرار الاقتصاد اليمني الذي بات يواجه عديد من التحديات الكبيرة نتيجة الأزمات السياسية، والحروب المستمرة، والانخفاض الحاد في الإيرادات العامة، ففي ظل هذه الظروف الصعبة، أصبح من الضروري التفكير في حلول مبتكرة تساعد في تحسين السيولة النقدية وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، إذ يعتبر جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) أحد الحلول الفعّالة التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي في اليمن.
ففي وقت تعاني فيه البلاد من انخفاض حاد في الاحتياطيات النقدية وصعوبة الوصول إلى الأسواق الدولية، قد توفر الاستثمارات الأجنبية فرصة لتحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة الإيرادات الحكومية، وتحقيق استقرار مالي طويل الأمد، وتقديم التكنولوجيا والابتكار، مما يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي، وتمثل الاستثمارات الأجنبية مصدرًا رئيسًا للتنمية الاقتصادية لعدة أسباب، أبرزها تحفيز الاقتصاد المحلي عبر ضخ رأس المال المطلوب لتمويل المشاريع الاستثمارية، وخلق فرص عمل جديدة، مما يساهم في خفض معدلات البطالة، والعمل على تحسين التكنولوجيا و الابتكار من خلال نقل الخبرات والمعرفة من الشركات الأجنبية إلى الشركات المحلية، فضلًا عن تعزيز السيولة النقدية عبر تدفق العملات الأجنبية، مما يساعد على استقرار العملة الوطنية (الريال اليمني).
كما يسهم الاستثمار الأجنبي المباشر في تحسين السيولة النقدية من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وتدفق العملات الأجنبية إلى الاقتصاد المحلي، هذه التدفقات تكون أساسية في تحسين احتياطيات النقد الأجنبي التي يعاني اليمن من انخفاضها، مع زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية، يتم ضخ عملات أجنبية إلى البنوك المركزية والمحلية، مما يساهم في تحسين السيولة وتعزيز الاحتياطيات الأجنبية، كما تساعد الاستثمارات في تدفق العملات الصعبة مثل الدولار الأمريكي واليورو، مما يمكن البنك المركزي من زيادة احتياطياته وتوفير السيولة اللازمة لدعم العملة المحلية، كما أن تدفق الاستثمارات الأجنبية يعزز من قدرة الحكومة على مواجهة العجز المالي وتقليل التضخم من خلال زيادة الموارد المالية التي تساهم في تمويل المشروعات العامة والخدمات الأساسية، بل يساعد الاستثمار الأجنبي أيضًا في تطوير قطاعات اقتصادية جديدة مثل الطاقة، الزراعة، السياحة، والصناعة، من خلالها يتم توليد فرص عمل جديدة، وتوفير إيرادات ضريبية للحكومة، مما يحسن من القدرة المالية للدولة.
تدفق الاستثمارات
كما يمكن أن يؤدي تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى فتح أسواق جديدة للمنتجات المحلية، مما يساعد على تنويع مصادر الإيرادات، وتحفيز القطاع الخاص مما يعزز من القدرة الإنتاجية والتنافسية، وكذا تعزيز استقرار المؤسسات المالية مما يحفز الحكومة على تحسين القوانين والأنظمة المالية لضمان حماية الاستثمارات وجذب المزيد من التدفقات النقدية، إلى جانب تحسين الإطار التنظيمي، من خلال مراجعة وتحديث التشريعات المالية والنقدية، بما يضمن حماية حقوق المستثمرين وتوفير بيئة استثمارية آمنة.
ويجب دعم الاستقرار المالي من خلال تدفقات الأموال الأجنبية، يستطيع من خلالها البنك المركزي توجيه هذه الأموال إلى قطاعاته النقدية مثل البنوك المحلية أو مؤسسات الائتمان، مما يسهم في زيادة استقرار النظام المالي، وكذلك تقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية التي يعتمد عليها اقتصاد اليمن بشكل عام مثل النفط، ويمكن لليمن أن يبني اقتصادًا أكثر تنوعًا وأقل عرضة للصدمات الاقتصادية الخارجية، مثل الزراعة، الصناعة التحويلية، التكنولوجيا، مما يؤدي إلى تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي والنظام المالي من خلال زيادة جذب الاستثمارات الأجنبية مما يقلل من عمليات التهريب المالي، ويزيد من الاستثمارات الداخلية في الاقتصاد الوطني.
كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى اليمن
حيث بين الدكتور/ علي ناصر الزامكي إن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى اليمن تحتاج إلى عديد من الخطوات اللازمة أبرزها تحسين البيئة الاستثمارية بأن تقوم الحكومة اليمنية العمل على تحسين البيئة الاستثمارية من خلال تبسيط الإجراءات البيروقراطية (القانونية والإدارية) التي تواجه المستثمرين، بما في ذلك ترخيص الشركات، التسجيل، الضرائب، والامتثال البيئي، وكذا تقديم حوافز ضريبية سواء كانت إعفاءات ضريبية أو حوافز مالية للمستثمرين الأجانب لتشجيعهم على ضخ الأموال في الاقتصاد اليمني، بالإضافة إلى توفير البنية التحتية اللازمة مثل الطرق، الموانئ، الاتصالات، والطاقة، مما يعزز من قدرة الشركات الأجنبية على دخول السوق اليمني بسهولة، فضلًا عن استقرار الوضع الأمني والسياسي إذ يتعين على الحكومة بذل جهود كبيرة لضمان تحقيق الاستقرار الأمني وتحقيق الحلول السياسية التي تساهم في استقرار البلاد وطمأنة المستثمرين الأجانب، وكذلك العمل على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص الدولي مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل تقديم استشارات، دعم مالي، و تسهيلات تقنية للمستثمرين الأجانب.
تطوير سياسات نقدية متوازنة
في هذا الجانب استعرض الدكتور/ علي ناصر الزامكي أستاذ الإدارة المالية المشارك بجامعة عدن جملة من المعالجات العلمية واستراتيجيات تطوير السياسات النقدية في اليمن التي تهدف إلى التحكم في التضخم في اليمن دون التأثير على النمو الاقتصادي بالاعتماد على سياسة نقدية متوازية يجب أن تستخدمها البنوك المركزية في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال ضبط عرض النقود وسعر الفائدة بهدف التأثير على مستويات التضخم والنمو الاقتصادي؛ ففي اليمن الذي يعاني من تحديات اقتصادية وأمنية مستمرة، تواجه السياسة النقدية صعوبة كبيرة في التحكم في التضخم دون التأثير السلبي على معدلات النمو الاقتصادي؛ لذلك فإن تطوير سياسات نقدية متوازنة يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان استقرار الأسعار، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها اليمن، تعد السياسة النقدية أداة رئيسية لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، تهدف إلى موازنة التضخم وضمان استقرار العملة الوطنية (الريال اليمني) الذي شهد تقلبات كبيرة في قيمته نتيجة لتدهور الاحتياطيات الأجنبية والنزاعات الداخلية، لذلك تعد إدارة السياسة النقدية بشكل متوازن أمرًا بالغ الأهمية لتفادي الآثار السلبية على النشاط الاقتصادي، خاصة على القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الاستهلاك والاستثمار المحلي.
كما تواجه السياسة النقدية في اليمن عدة معوقات أبرزها التضخم المرتفع بفعل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وصعوبة الوصول إلى السلع والخدمات نتيجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وكذا تقلبات سعر الصرف نتيجة لانخفاض احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية، وضعف الرقابة المالية وعدم وجود بنية تحتية مصرفية متطورة، ما يعوق تنفيذ السياسات النقدية الفعّالة، وزيادة الديون العامة نتيجة لتراجع الإيرادات الحكومية بسبب الحروب وتدهور الإنتاج المحلي.
مقترحات تطوير السياسة النقدية
وقدم الدكتور/ الزامكي مجموعة من المقترحات العلمية لتطوير السياسات النقدية في اليمن، كأن أبرزها العمل على تحسين إدارة العرض النقدي وتوجيهه بشكل فعال، من خلال ضبط المعروض النقدي وتعديله بما يتناسب مع الحاجة الفعلية في الاقتصاد، من خلال استخدام أدوات مثل سعر الفائدة والعمليات السوقية المفتوحة، وتقليل عرض النقود عند ارتفاع التضخم، وزيادته عند تراجع النشاط الاقتصادي يمكن أن يساهم في استقرار الأسعار، كما أن تعزيز أدوات السياسة النقدية مثل تغيير سعر الفائدة، والاحتياطي الإلزامي للبنوك، بحيث يتناسب سعر الفائدة مع الحاجة الفعلية في الاقتصاد، يمكن أن يكون ذلك وسيلة لتقليل التضخم، ولكن مع التأكد من أن هذا لا يؤثر على قدرة الشركات على الاستثمار أو الأسر على الاقتراض.
مضيفًا بأنه يجب تحديد سعر الفائدة بعناية دقيقة لتحقيق التوازن بين التضخم والنمو دون التأثير المفرط على تكاليف الاقتراض، وبالتالي نمو الأعمال، بالإضافة إلى خفض أسعار الفائدة في فترات الركود لتشجيع الاستثمار وتحفيز الطلب المحلي على السلع والخدمات، والعمل على تحسين كفاءة توزيع الموارد في الاقتصاد بما يسهم في تعزيز الشمول المالي من خلال توسيع نطاق وصول المواطنين والشركات إلى الخدمات المصرفية، وتحفيز القطاع الإنتاجي من خلال توجيه جزء من السيولة إلى القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يساعد في تخفيف الضغط على الاحتياطيات النقدية والحد من التضخم المستورد، فضلًا عن توسيع القروض لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة مما يعزز من الاستثمار المحلي ويحد من البطالة ويزيد من الإنتاجية الاقتصادية.
إصلاحات حكومية
ختامًا يرى الدكتور/ الزامكي إن السياسة النقدية في اليمن محكومة بالعديد من التحديات الكبيرة الناتجة عن النزاع المسلح والأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة، إلا أن النجاح في تحسين السياسة النقدية يتطلب جهدًا منسقًا بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والبنك المركزي والمجتمع الدولي، من خلال تبني إصلاحات هيكلية لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي في البلاد.
مؤكدًا على أهمية أن تقوم الحكومة باتخاذ إجراءات إصلاحية لضبط العجز المالي، لتحقيق زيادة الإيرادات الحكومية (من خلال تحسين التحصيل الضريبي، وتوسيع قاعدة الإيرادات، ومحاربة التهرب الضريبي) وكذلك ترشيد الإنفاق العام بما يتناسب مع الأولويات الاقتصادية، وإعادة هيكلة الدين العام من خلال التفاوض مع الدائنين الدوليين لإعادة هيكلة الديون، يمكن ذلك أن يقلل من العبء المالي على الحكومة، وتخفيف تأثير العجز على الاستقرار النقدي، والعمل على تعزيز التعاون بين البنك المركزي ووزارة المالية لتحقيق استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي؛ حيث لا يجب أن تكون المصروفات الحكومية ومعدلات الإقراض الحكومي متناقضة مع أهداف البنك المركزي في السيطرة على التضخم، مع التأكيد على أهمية أن يعمل البنك المركزي على تطوير أسواق الصرف الأجنبي بما يعزز من شفافية سوق الصرف الأجنبي، والحد من الأسواق الموازية أو السوداء التي تسهم في تقلبات سعر الريال.
ومن هذه الإصلاحات الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني لأهميتها في اتخاذ القرارات الموضوعية والمدروسة في جعل السياسات النقدية أكثر فعالية في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه اليمن، وبالإضافة إلى أهمية تحسين النظام المصرفي، بتوفير خدمات مصرفية إلكترونية أكثر فعالية، وتحسين الشمول المالي وتعزيز الشفافية والرقابة على البنوك، وضرورة دعم الحكومة اليمنية لاستعادة الثقة في النظام المصرفي وتقديم الدعم المالي والفني لتعزيز قدراته، بالإضافة إلى أهمية بناء الشراكات الفاعلة مع المؤسسات المالية الدولية، لإصلاح النظام المالي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتطوير استراتيجيات إصلاحية شاملة، لتحسين القدرة المؤسسية للحكومة، وتعزيز الشفافية والمساءلة في تنفيذ برامج الإصلاحات الاقتصادية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحسين السيولة النقدية وتعزيز استقرار الاقتصاد اليمني، من خلال تدفق الاستثمارات وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحفيز النمو الاقتصادي في تطوير قطاعات جديدة، مما يسهم في تهيئة استقرار مالي طويل الأمد يعزز من استقرار العملة المحلية، ما يتطلب تطوير سياسات نقدية متوازنة للتحكم في التضخم في اليمن دون التأثير على النمو الاقتصادي حيث يمكن للبنك المركزي اليمني من خلال تحسين إدارة العرض النقدي، تحديد أسعار الفائدة بعناية، وتحسين كفاءة توزيع الموارد، والحد من العجز المالي، وذلك بتنسيق متكامل بين السياسة النقدية والسياسة المالية لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة.