الأم هي سر الحياة وأساس كل عطاء، هي نبع الحنان الذي لا ينضب، وهي الروح التي لا تفارقنا حتى بعد رحيلها.
الأمومة تلك العاطفة الفياضة التي سحرت القلوب وأثرت في الإنسان عبر العصور، وجعلت المرأة رمزًا مقدسًا في حياة البشر؛ تغنى بها الشعراء، وكتب عنها الأدباء منذ فجر الكلمة.
قيل في الأم الكثير، وفي كل مرة، تعود الكلمات قاصرة عن وصفها، فقد كانت الكلمات تصغر، والأم تكبر، ولا أنصفوها إلا عندما قالوا: «الدنيا أم».
أمي الحبيبة فاطمة موسى، أم إسماعيل، يا من سقيتني بالحب حتى نَمَت في داخلي أزهار السلام. كنتِ الزورق الذي أبحر بي من قمم اليأس إلى قمم الأمل، وكنتِ القمر الذي لا يغيب عن سماء قلبي.
من بين أحلامكِ التي كنتِ تنتظرين مني تحقيقها، أن أصبح كاتباً ومصوراً وإعلامياً ناجحاً، وأن تصل كتاباتي وصوري إلى العالم. لم أتوقع يوماً أن تكوني ضمن قصصي الحزينة، أمي. كنتِ دائماً تقولين لي:حَلّق كالطير عالياً، واجعل جناحيك تلامس السماء." ولكن بدونكِ، أصبحت كالطير بجناحين مبتورين. أكتب كثيراً عنكِ ولكِ، لكن ما أشعر به أكبر من أن تعبر عنه الكلمات، وما بداخلي لا ينتهي عند حدود الأسطر.
أمي، أنتِ حبيبتي حتى عندما لا أقول لكِ ذلك. أنتِ الأقرب إليَّ حتى وأنا الأبعد عنكِ. أنتِ الشمعة التي لا أريد أن تنطفئ، وأنتِ الطفل الذي لا أريده أن يكبر. صوتكِ هو النبض الذي لا أريده أن يخمد، وأنتِ الوقود الذي يُبقي روحي مضيئة.
رحلتِ إلى دار الخالدين في الثامن عشر من يوليو، بعد معاناة طويلة مع مرض خبيث، مر شهران على رحيلكِ، وأجد نفسي في حالة من الذهول، غير مصدق لما حدث. أنا ابنكِ البكر، طالب إعلام في عدن بفضل الله ثم بفضلكِ. كنتِ دائماً السند، والملهمة، والقوة التي دفعتني للأمام، وما أنا عليه الآن، هو بفضلكِ.
الأم هي الكلمة الصغيرة التي تختصر كل معاني الحب والتضحية والعطاء. هي النبع الذي لا يجف، واليد الحنونة التي تمسح عنّا الهموم. اليوم، أكتب لكِ عبر هاتفي، الذي كان إحدى هداياكِ الكثيرة لي. عندما فقدتِ، فقدتُ الطفولة، كما يُقال: "يظل الرجل طفلاً حتى تموت أمه، فإذا ماتت شاخ فجأة". لكن ماذا إذا كان هذا الطفل الذي يختبئ في جسد شاب عشريني، غير مستعد لمواجهة العالم وحيداً، بعد أن تعود أن تكوني إلى جانبه دائماً؟ لقد تغير العالم من حولي، من عالم دافئ مليء بابتساماتكِ، إلى عالم بارد موحش بعد فراقكِ.
بعد شهرين من رحيلكِ، أشعر بالندم على كل لحظة لم أعبّر فيها عن حبي لكِ. كل لحظة لم أحتضنكِ فيها أو أشكركِ على كل شيء. كنتِ دوماً الحصن الآمن، والسند الذي لا يميل. كنتِ تسألين عني، تنتظريني بقلق، ترعينني في مرضي، وتصلين لتطمئني على حالي. أدركت قيمتكِ حين غبتِ، وحين مرضتُ في الغربة.
اليوم، تبدلت حياتي. أصبحت الحياة باردة، نهارها يشبه ليلها في الظلمة ، ذلك الطفل بداخلي مات رغماً عني. لا شيء يجرح كفقدان الأم، والموت جاء فجأة، كما يأتي دائماً، ليأخذكِ دون سابق إنذار.
أحياناً، لا يحزننا الموت بحد ذاته، فهو حقيقة محتومة، لكن الفراق بدون وداع، هو الذي يؤلم. نتحسر على كل لحظة جميلة أرجأناها، على كل حلم أردنا أن نحقق من أجلكِ. كنتُ أطمح أن أكون خريجاً جامعياً تفرحين به، أن أكون عريساً تفتخرين به، أن تكوني معي في أفراحي وأحزاني. لكن الأقدار كانت أسرع منا، وأخذتكِ دون أن نكمل مشوارنا معاً.
مرت شهران على الفراق، وما زلت أعيش في دوامة من الحيرة والندم. نادم على كل كلمة لم تُقل، وكل عناق لم يحدث. تعلمت من رحيلكِ أن نبوح بمشاعرنا كل يوم، لأن الغد قد لا يأتي أبداً.
أمي، يا أم إسماعيل، أنتِ في قلبي إلى آخر لحظة في حياتي. أدعو لكِ دائماً، واطلب من الله أن يمنحنا الصبر والقوة. سأحقق حلمكِ وأكون إعلامياً ناجحاً، وستكونين دائماً معي في قلبي، نوراً يضيء حياتي. حبكِ سيظل رفيقي، وسأدعوكِ في كل خطوة أخطوها، وأعلم أن الدعاء والعمل الصالح هما أفضل ما يمكن أن أقدمه لكِ الآن.
رحمكِ الله يا أمي، وأسكنكِ فسيح جناته، وجعل مثواكِ الجنة.