مشهد من حياتنا في يوليو الأسود !
تاريخ النشر: الاثنين 08 يوليو 2024
- الساعة:02:07:40 - الناقد برس/كتبت /كفى الهاشلي
كنت وأمي وأخواني نسكن في حارة الفرس في كريتر ، معبد الفرس تحديدا وهو موقع تارخي لكن الحرب جعلت منه معسكر مؤقت.
نقلنا خالي إلى جواره في المعسكر بعد ضرب مصفاة عدن وتوسع رقعة الحريق في مساء ذلك اليوم في حرب صيف 1994م .
لم يكن لدينا أب فقد كان مخفي قسرا في أحداث حرب يناير ٨٦م كان خالي كل شيء بالنسبة لنا ، يومها انهارت قواه وكانت أمي تطلب منه الفرار إلى ابين بين أسرته لكنه رفض وقال :"ومن لكم أنتم ! ولماذا اهرب وماقيمة الحياة بعد هذه الخسارة".
ساعات من المرارة والبكاء والحزن والمفاوضات بين أمي وخالي وأصدقاء خالي كلهم يريدون من خالي المغادرة وهو يرفض كمن قرر أن ينتحر .
أخبره أصدقاؤه بأن الرئاسة هربت وأن قائد المعسكر هرب إلى خارج البلاد وأنه مطلوب للشمال ضمن قائمة المحكوم عليهم بالخيانة وسيتم إعتقاله حتما ولكن خالي كان منهار ويصرخ ويلعن الخيانة لم أفهم تفاصيل النقاش و كنت اراقب حالة الانهيار .
أخيرا جاء رفاق خالي وابناء خاله وطلبوا منه اخلاء المعسكر من الجنود وسحبوه بالقوة لسيارة وغادروا
تم اقتحام المعسكر من عامة الناس وسرقوا السلاح امام اعيننا ، ودخل البعض لمعبد الفرس واخذوا كل ما فيه ، ثم سمعنا ضرب الرصاص كنا نموت من الخوف والذعر ونختبي تحت الطاولات والسرير .
تحول المعسكر إلى فوضى وخلعت ابواب ونوافذ المعبد واصيب بعض الناس في المكان بسبب التدافع ،تعاركت الناس و لم نفهم من يضرب من ومن قتل من ؟! كانت فوضى حتى الساعة السابعة مساءا .
فجأة صمت المكان وتوقعنا أن السرقة أنتهت ولكننا انصدمنا بقوات ملثمة مثل عصابات هذا الزمن اقتحموا المعسكر باحثين عن خالي ركلوا باب السكن بقوة ودخلوا مثل الثيران الهائجة .
لم يرحموا طفولتنا ،اسلحتهم مشحونة في وجوهنا كنا نموت بكل دقيقة من رعب البنادق وصراخهم .
فتشوا عن السلاح ،عبثوا باغراضنا وملابسنا ورموا كل شيء بحثا عن سلاح وقبلها عبثوا بقلوبنا التى امتلأت كراهية لهم حتى الآن !
اخيرا غادروا ....ثم سمعنا صراخ وقتال وضرب رصاص استمر ساعات وساعات واتضح أن قوات من جيش صالح تشتبك مع المسلحين الملثمين عينهم .
تكرر المشهد وتم اقتحام سكننا وتفتيش كل شيء غير أن التفتيش هذه المرة لم يكن بحثا عن خالي وعن السلاح بل كان عن المسلحين الملثمين وكنت واخواني في السكن نموت خوف ...
ابعدت أمي وقتها من الباب وخرجت وانا ارتدي فستان ابيض مع اصفر وشعري منكوش من ذعر الساعات التى مررنا بها ورفعت يدي مؤشره لهم بالاستسلام ، شابة مرعوبة مذلولة خائفة على أخوتها وأمها فقط تريد وقف اطلاق الرصاص أمام باب السكن ،لكم أن تتخيلوا الحال !!!
اخبرتهم أنني وامي وأخواني وحدنا ولايوجد أحد غيرنا طلبوا تنحينا جانبا ليدخلوا وليفتشوا السكن وفعلا دخلوا وفتشوا المكان دون نبش في الاغراض التى اعدنا ترتيبها .
اعتذروا وفهمنا منهم أنهم يلاحقون جماعة الاصلاح حليفهم ، طبعا نحن لم نفهم شيء وقتها .
توالت المشاهد بذلك اليوم وسيطر حزب المؤتمر المنتصر في الحرب على كل شيء واصبحت الاسئلة المطروحة من هم المقتحمين الملثمين ولماذا تلثموا واقتحموا سكننا وبحثوا عن خالي بذلك الشكل ولماذا يريدون سلاح ؟؟؟؟؟
جاءت الاجابة بعد احتجاز زوج خالتي الذي كان يعيش واسرته هناك والتحقيق معه واحتجاز بعض السكان القريبين للمكان واتضح أن حزب الاصلاح بمساندة اتباعه في نفس الحي هم من نفذ فعلا الاقتحامات وهم من كان يجمع السلاح وهم من اراد السيطرة على بعض مرافق الدولة كغنيمة وتقاسم مع الشريك المنتصر .
المحزن انهم تلثموا لانهم سكان الحي الذي طالما وكان خالي والمعسكر يقومون بحمايتهم ويجلبون لهم الماء ببوزة المعسكر ويقدمون لهم طعام العسكر وغيره وهم "الخونة في الداخل" .
خالي مازال حيا وفضل الابتعاد عن المشهد العسكري والسياسي حتى بعد قرار العفو ، وكثيرا ماكنا نجلس ونتحدث ونعيد ذكريات ذلك اليوم تفاصيل كثيرة خارج ذلك اليوم .
كان يوليو أسود ولكن الأشد سواد عندما ينتصر عدوك في المعركة ببندقية جارك أو رفيقك أو أخوك ، بالتأكيد هي حرب لامقدس فيها ولامجال للمثالية ، لكن هناك مجال للثبات والوفاء وتقديس الوطن .
فالعبرة دائما في الهدف "النبيل" الذي تلتف الناس حوله وليس بتسميات الناس وقبائلهم ومحافظاتهم .
نسأل الله السلامة والسلام للجميع