تحدثت الأنباء مؤخراً عن نية الحكومة الأمريكية إدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية، لكن هل يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتخذ قرار كهذا بسهولة؟ الجواب لا.
على البيت الأبيض تقديم أدلة على انخراط الجماعة في أنشطة وأعمال إرهابية تهدد أمن الولايات المتحدة أو مصالحها. وعلى أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة تقديم أدلة خطية تثبت ممارسة الجماعة لأعمال وأنشطة إرهابية، وعلى وزير الخارجية استشارة وزيري العدل والخزانة الأمريكيين قبل إصدار قرار بتصنيف الجماعة في خانة الجماعات الإرهابية.
كما يمكن لمجلس الشيوخ تجميد هذا القرار ووقفه خلال سبعة أيام وبعدها يمكن للجماعة الطعن في القرار أمام المحاكم الفدرالية الأمريكية خلال ثلاثين يوما وفي ظل سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب ووقوفهم بالمرصاد لترامب لن يمر مثل هذا القرار.
وحتى أشد معارضي الجماعة يقولون إنه لا توجد أدلة يعتد بها يمكن أن تقنع المحاكم الأمريكية بتورط الجماعة بأعمال أو أنشطة إرهابية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن جوناثان شانزر قوله "إن السعوديين والإماراتيين والمصريين لا يفهمون مداخل ومخارج النظام السياسي في الولايات المتحدة".
تأسست الجماعة على يد رجل الدين المصري حسن البنا عام 1928 في مدينة الاسماعيلية.
وكان البنا يرى أن "الصحوة الإسلامية" كفيلة بدفع العالم الإسلامي إلى التقدم واللحاق بركب الغرب والتخلص من نير الاستعمار لكنه أخفق في تحديد شكل الحكم في الدولة الموعودة كما كان التناقض والغموض يكتنفان دعوته.
انتشرت تعاليم الجماعة وأفكارها وأدبياتها خارج مصر وتم تأسيس جماعات على غرار الجماعة الأم في مختلف البلدان العربية والاسلامية، مستلهمة مبادئها وأفكارها.
ولا تزال بعض هذه الفروع تحمل اسم جماعة الإخوان المسلمين، بينما لجأت أخرى إلى اعتماد أسماء لا تحمل دلالات إسلامية مثل حركة النهضة في تونس.
يمكن القول إن جميع حركات الإسلام السياسي نهلت من أفكار ومبادىء الجماعة بدرجات متباينة، بما في ذلك المنظمات والهيئات الدعوية والخيرية في العشرات من الدول الإسلامية وغير الإسلامية.
كما أنشأت الجماعة مكتباً تنفيذياً يضم ممثلين عن فروع الجماعة في الدول العربية والاسلامية بهدف تحقيق نوع من الوحدة على الصعيد الفكري لكن تم حله مع حل الجماعة عام 1954.
وأعيد إحياء المكتب بعد إعدام سيد قطب عام 1965 حسبما قال الداعية المصري يوسف القرضاوي.
كما تحكم أحزاب تحمل أفكار الجماعة في عدد من الدول مثل تركيا أو تشارك في الحكم بالإشتراك مع أحزاب أخرى مثل تونس. وللجماعة وجود قوي في عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة مثل الأردن والكويت والبحرين والمغرب.
في ظل النظام الملكي في مصر والذي كان يحظى بدعم بريطانيا في أربعينيات القرن الماضي، كانت الجماعة المصرية واحدة من عدة فصائل لها أجنحة شبه عسكرية.
في عام 1948، قام طالب جامعي ينتمي إلى الجماعة ويدرس الطب البيطري باغتيال رئيس وزراء مصري محمود النقراشي في اعقاب إصداره قراراً بحظر الجماعة، و بعدها بأسبوعين تم القبض على عضو آخر في الجماعة لمحاولته تفجير مبنى المحكمة.
شجب البنا العمليتين والمتهمين ووصفهم بأنهم " ليسوا إخواناً ولا مسلمين".
كيف تؤثر مصادرة "أموال الإخوان" على الاستثمار في مصر؟
وأغتيل البنا نفسه في ديسمبر/ كانون الأول 1948 واتهمت الجماعة الحكومة المصرية بالمسؤولية عن ذلك.
وبعد الإطاحة بالملكية في مصر عام 1952 اتجهت الجماعة إلى العمل السري وسرعان ما تم حلها من قبل النظام الجديد الذي اتهمها بتدبير محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954. فتم إعدام ستة من قادة الجماعة بتهمة الخيانة بينما حكم على سيد قطب بالسجن. اطلق سراح قطب بعد عشر سنوات لكن أعيد اعتقاله بعد أقل من عام وأعدم عام 1965.
خلال ستينيات القرن الماضي ألقي القبض على مجموعة صغيرة من الجماعة بتهمة التخطيط لإعادة تشكيل جناح مسلح لها، لكن الجماعة نبذت منذ ذلك الوقت العنف وتبنت رسمياً العمل السياسي والدعوي فقط واعتمدت مقولة: "دعاة، وليس قضاة" في نشاطها، ومنذئذ لم يظهر هناك دليل على أن الجماعة، كمنظمة قد تورطت في أعمال عنف.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي اندلعت أعمال عنف في سوريا قتل فيها الآلاف، بدأت شرارتها بقتل نحو مائة طالب في إحدى الكليات العسكرية على يد ضابط ينتمي للجماعة وما لبثت أن امتدت عمليات القتل والاغتيال لتشمل أطباء ومهندسين وعلماء عسكريين.
محكمة مصرية تطلب رأي المفتي في إعدام 75 شخصا بقضية اعتصام رابعة
لكن أكبر أعمال عنف شهدتها مدينة حماة، المعقل التاريخي للجماعة، حيث قتل فيها نحو 25 ألف شخص، إذ حاصرت القوات الحكومية عام 1982 بضع مئات من المسلحين الاسلاميين في المدينة لعدة أشهر وقصفتها بالمدافع والطائرات لأشهر فقتل الآلاف وتعرضت المدينة لدمار واسع.
ورغم نأي جماعة الإخوان المسلمين السورية، اقدم فروع الجماعة خارج مصر، بنفسها عن أعمال العنف وتحميلها "الطليعة المقاتلة" المسؤولية عن أعمال العنف وأن لا علاقة لها بهذه المجموعة، إلا أن الحكومة السورية أصدرت قانوناً وبأثر رجعي جرى بموجبه الحكم على الآلاف بالإعدام بتهمة الانتماء للجماعة.
في نهاية ثمانينيات لقرن الماضي بدأت الجماعة في مصر بخوض غمار العمل السياسي بشكل شبه علني عبر "العمل الخيري" والنقابي إذ تمكن مرشحوها من تولي قيادة نقابات مهمة مثل نقابة الاطباء.
كما شاركت الجماعة في الانتخابات البرلمانية من حين إلى آخر حيث فازت بـ 17 مقعدا في انتخابات عام 2000 وفي انتخابات 2005 فازت بـ 88 مقعداً رغم أنهم مرشحيها شاركوا بصفة مستقلة.
عام 2013 صنفت الحكومة المصرية الجماعة في خانة المنظمات الإرهابية واتهمتها بالوقوف وراء أعمال عنف وشن هجمات إرهابية لكن الجماعة تنفي ذلك بشدة.
وحذت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حذو مصر وأدرجت الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية رغم أنه لا توجد أحزاب أو أي جمعيات لها علاقة بالجماعة في السعودية أوالإمارات.
وبسبب خوف هذه الانظمة من إمكانية وصول الجماعة إلى الحكم في حال إجراء أي انتخابات حرة وديمقراطية فيها، بدأت هذه الحكومات بشيطنة الجماعة والضغط على الدول الأخرى لحظرها وإدراجها في خانة الجماعات الإرهابية.
وترى الحكومات الثلاث بأن الجماعة و تنظيم القاعدة وجهان لعملة واحدة لانهما تدعوان إلى إقامة مجتمع إسلامي وفق نفس الرؤية ولا تؤمنان بفكرة الوطن.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد كرر دعوة إدارة ترامب إلى إدراج الجماعة في خانة المنظمات الإرهابية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في شهر أبريل/نيسان 2019.
وسبق أن قامت الحكومة البريطانية قد حققت في أنشطة الجماعة في بريطانيا بضغط من الإمارات العربية عام 2015 لكن خلصت إلى أنه لا تنطبق عليها الشروط المطلوبة توفرها لادراجها في قائمة الإرهاب.
ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتمي للجماعة محمد مرسي من قبل الجيش المصري عام 2013 ، انشق بعض أعضاء الجماعة وشكلوا خلايا تمارس أعمال عنف ضد أهداف حكومية، وقد صنفت الولايات المتحدة المجموعتين، "حسم" و"لواء الثورة"، ضمن قائمة المنظمات "الإرهابية".