بينما يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس، فمن الضروري أن نتذكر المساهمات الرائعة والروح التي لا تقهر للمرأة الجنوبية منذ ثورة التحرير ضد الاستعمار البريطاني. ومن طليعة الأنشطة النضالية إلى قاعات صنع القرار، تركت المرأة الجنوبية بصمة لا تمحى في التاريخ من خلال تفانيها وشجاعتها وصمودها الذي لا يتزعزع في مواجهة الشدائد.
وتعود رحلة مشاركة المرأة في ثورة التحرير إلى عام 1959 عندما قادت الحركة النسائية في عدن مسيرة احتجاجية ضد الاستعمار البريطاني، مطالبة باستقلال الجنوب هاتفة بشعارات التمكين والحرية. كانت هذه اللحظة المحورية بمثابة بداية فصل جديد في تاريخ الجنوب، حيث احتلت المرأة مركز الصدارة في النضال من أجل التحرير والاستقلال.
وفي عام 1962، نظمت الطالبات في كلية البنات بخور مكسر احتجاجًا قويًا ضد الاستعمار، ودافعن عن الحق في التعليم والحرية. وأدى تصميمهن الذي لا يهتز إلى إضراب واعتصام ناجح في الكلية، وإحباط السياسات التمييزية التي فرضتها السلطات البريطانية والتأكيد على حقهن في المساواة والتمكين.
فيما شهد العام 1962 حدثاً تاريخياً آخر، حيث نظمت النساء مظاهرة رفضاً لتشكيل اتحاد فيدرالي بين الجنوب والشمال تحت حكم واحد. وأشعلن المشاركات النار في المجلس التشريعي في كريتر، مما دفع السلطات البريطانية إلى التخلي عن المشروع المشؤوم في مواجهة المعارضة الحازمة من النساء الجنوبيات.
لقد برزت تضحيات النساء وشجاعتهن إلى الواجهة في عام 1965 مع استشهاد لطيفة علي شودري، الناشطة التي قتلها قناص بريطاني خلال مظاهرة سلمية. حيث كان استشهادها بمثابة صرخة حاشدة، حفزت عزيمة الثوار وشددت على التزام المرأة الثابت بقضية التحرير.
وفي عام 1966، قادت النساء الجنوبيات حملة لجمع التبرعات لدعم أنشطة الجبهة القومية، ولعبن دورًا محوريًا في الحفاظ على زخم ثورة التحرير. إن تفانيهن وسعة حيلتهم في جمع الأموال الحاسمة جسد التزامهن الثابت بالنضال من أجل الحرية والاستقلال.
إذا نظرنا إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فقد تمتعت المرأة الجنوبية بحقوق مدنية ودستورية متساوية خلال حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. من خلال مشاركتهن الفعالة في المبادرات الثقافية والتنموية، فضلا عن حضورهن في عمليات صنع القرار، وفي مختلف ادوار القيادة ما يؤكد مساهماتهن الكبيرة في بناء المؤسسات المدنية وتعزيز التقدم المجتمعي.
حيث كفلت القوانين والتشريعات التقدمية في الثمانينيات حقوق المرأة في العمل والمشاركة السياسية، مما مهد الطريق لإنجازات غير مسبوقة في مختلف المجالات. وحطمت المرأة الجنوبية الصور النمطية والحواجز التقليدية وتولت أدوارًا سياسية كبيرة في الدولة، كعمداء كليات، ومذيعات، ومحررات، قاضيات، وطيارات وحتى قادة عسكريات، وفي المرور ومراكز الشرطة مما فتح آفاقًا جديدة ومهد الطريق للأجيال القادمة من النساء في الجنوب.
ومنذ تحقيق الوحدة اليمنية تراجع دور المرأة في الجنوب، ومحي تراثها الثقافي وإعيدت إلى التقاليد التي عفا عليها الزمن،
ومن المهم أن نعترف بأن توحيد الجنوب مع اليمن في عام 1990 أحدث تغييرات وتحديات كبيرة لجميع ابناء الشعب الجنوبي، بما في ذلك النساء. وفي حين كانت الوحدة تبشر بمستقبل أكثر تماسكاً، وانفتاحا وتقدما إلا أنها كشفت عن الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكامنة التي أثرت على شرائح مختلفة من المجتمع، بما في ذلك النساء في الجنوب.
ومما لا شك فيه أن الانتقال إلى الوحدة شكل تحديات أمام النساء الجنوبيات، اللاتي تمتعن بحقوق وفرص أكثر تقدمية خلال حقبة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وأدى دمج الأنظمة القانونية والأعراف الاجتماعية وهياكل الحكم التي كانت سارية في الشمال إلى خلق توترات وفوارق أثرت على حقوق المرأة الجنوبية وحرياتها.
يمكن بالفعل اعتبار تآكل التراث الثقافي للمرأة الجنوبية وفرض المعايير والممارسات التقليدية نتيجة للهياكل الأبوية المهيمنة التي قامت تاريخياً بتهميش المرأة في اليمن.
وبينما نحتفل باليوم العالمي للمرأة، دعونا نشيد بصمود وقوة وروح النساء الجنوبيات اللاتي شقن المسارات، وحطمن الحواجز الزجاجية، وألهمن الأجيال بشجاعتهن وتصميمهن. إن إرثهن من التمكين والتقدم والمساواة هو بمثابة شهادة على مساهماتهن التي لا تقدر بثمن في المجالات الاجتماعية والإنسانية والسياسية والأخلاقية، التي تجسد جوهر الأنوثة بكل نعمتها وثباتها.
في هذه المناسبة العالمية، لا نملك الا ان ننحني إجلالاً وإكراما للأمهات والأخوات والزوجات والبنات اللاتي ساهمن في تشكيل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا بتصميمهن الذي لا يتزعزع وتفانيهن الذي لا يقهر في خدمة قضايا الإنسانية.