بخطوات متسارعة تتعقد الأزمة بين أمريكا وإيران، على وقع إسقاط طهران لطائرة واشنطن المسيرة أمس، في ظل الحديث عن تصعيد عسكري وشيك في المنطقة.
أمريكا التي بدت تصريحاتها متخبطة بشأن الرد المتوقع على العمل الإيراني، تارة تلوح بخيار عسكري، وتارة أخرى تتحدث عن تهدئة ورغبة في الحوار على لسان رئيسها دونالد ترامب.
وقال الحرس الثوري الإيراني، الخميس، إنه أسقط طائرة أمريكية دون طيار بعد أن دخلت المجال الجوي الإيراني، قرب كوهموباراك في إقليم هورموزكان الجنوبي.
نقلت صحيفة "نيوزويك" عن مسؤولين عسكريين أمريكيين قولهم، إنهم "كانوا يستعدون لتنفيذ أوامر الرئيس ترامب بشن ضربات على أهداف إيرانية، تلقوا فجأة أمرًا بـ"إيقاف التنفيذ" دون إيضاح الأسباب.
وأوضح المصدر أن المسؤولين الأميركيين لا يعلمون لماذا غيّر ترامب رأيه قبل فترة قصيرة من بدء عملية شن الضربات، كما لا يعرفون ما إذا كانت الضربة أجلت إلى وقت لاحق، أو ألغيت بصفة نهائية.
وقالت مصادر لوكالة "رويترز" إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أرسل رسالة عبر عمان إلى طهران ليلة أمس يحذر فيها من هجوم مرتقب على إيران.
وجاء في الرسالة قول ترامب: "نحن لا نريد حربا، ولكننا نريد محادثات"، كما منح الإيرانيين مهلة للرد على رسالته.
وردت طهران بالقول، إن خامنئي يعارض "أي نوع من المحادثات" مع الولايات المتحدة، لكنه استلم الرسالة التي نقلتها عمان.
وقال رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي، ميتش ماكونيل، إن الإدارة الأمريكية تنظر في ردود مدروسة ضد إيران على خلفية إسقاط الطائرة من دون طيار فوق مضيق هرمز.
وحذرت طهران في ردها بشأن العواقب الإقليمية والدولية لأي عمل عسكري أميركي في المنطقة، حسب ما أوردت رويترز.
البنتاغون والحرس الثوري
محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (أفايب)، قال إن "الطائرة الأمريكية التي أسقطتها إيران تتخطى سعرها 180 مليون دولار، وهي من أقوى الطائرات في العالم، والتي تتبع استراتيجيات متقدمة للتجسس، بالإضافة إلى إمكانيات هائلة لحمل الصواريخ".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "إسقاط طهران بتقنية عسكرية بسيطة أكبر وأضخم وأهم طائرة عسكرية في العالم بصناعة أمريكية يعني تحدي لصناع السلاح".
وتابع: "الأمر لم يعد بين روحاني وترامب، وانتقل بين البنتاغون والحرس الثوري، فالبنتاغون لن يقبل أن يهزم بهذه الطريقة، خصوصًا أنه يضر بسمعته في سوق السلاح الدولي، فأمريكا أكبر مصدر للسلاح في العالم".
وبشأن ما الذي يمكن أن تآول إليه الأمور بعد واقعة الطائرة، قال أبو النور: "أتوقع أن ترد أمريكًا، وأن تشن عملية عسكرية على المدى المتوسط ضد أهداف أو مصالح إيرانية".
وبسؤاله عن إمكانية اللجوء لمجلس الأمن أو للمحاكم الدولية، أجاب: "أن تقول أمريكا بإن الطائرة أسقطت في المياه الدولية، وليس في الأجواء الإيرانية يعني أنها تضع طهران في وضع الدولة المعتدية، حتى إذا ما ذهبوا إلى مجلس الأمن أو المحكمة الدولية يخرج القرار لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران.
واستطرد: "هذا حدث سابقًا، حيث ذهبت طهران إلى المحكمة الجنائية الدولية وطالبت بتعويضات عن عمليتي الرامي الرشيق وفرس النبي والتي حدثت في الثمانينيات، حيث أغرقت أمريكا نصف الأسطو البحري الإيراني تقريبًا، لكن المحكمة رفضت إصدار قرار ضد أمريكا، وقالت إن إيران لا يحق لها، لأنها الدولة المعتدية، وبدأت بالاعتداء على ناقلات النفط الكويتية التي تجمي العلم الأمريكي".
وعن تطور الأزمة بين إيران وأمريكا، أكد أن "هناك تطورًا كبيرًا في الأزمة بين طهران وواشنطن، ولأول مرة تلجأ الأمور إلى إسقاط قطع عسكرية لأحد الطرفين، لم تحدث مواجهة مباشرة بهذه القوة من قبل".
تصعيد عسكري إيراني
من جانبه قال الإعلامي والمحلل السياسي الإيراني، محمد غروي إن "إيران عندما أطلقت مهلة الشهرين بخصوص الاتفاق النووي، غيرت بذلك أسلوب التعاون مع المجتمع الدولي عامة والأمريكي خاصة، وانتقلت من حالة الدفاع إلى استراتيجية الهجوم الدفاعي".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك"، أن "إيران صبرت لمدة عام كامل بعد الخرق الأمريكي للاتفاق النووي، وتجاه مسايرة الأوروبيين لأمريكا في مسألة العقوبات، لكن الآن صبر نفذها".
وعن دلالات إسقاط الحرس الثوري للطائرة الأمريكية، أكد أن "طهران دخلت مرحلة جديدة في الشق العسكري، وتريد أن تقول إنها جاهزة لأي تصعيد عسكري، خصوصا وأن السلاح المستخدم اليوم إيراني".
وأشار إلى أن "طهران أعلنت الساعة التي أقلعت فيها الطائرة من الأراضي الخليجية، ليؤكد على رصده كل التحركات الأمريكية ليس وقت دخولها الأجواء الإيرانية، بل وقت إقلاعها".
وتابع: "كل تلك الرسائل تريد منها إيران أن تعلن استعدادها للدخول في حرب إلى أقصى درجة، لكنها لا تريد هذه الحرب الآن، إلا لو فرضت عليها، فستدافع عن نفسها".
وأنهى حديثه قائلًا: "القدرات التي أظهرها اليوم الحرس الثوري الإيراني، ما هي إلا 20% من القدارت العسكرية الموجودة في طهران".
إسقاط الطائرة
وأكد الحرس الثوري الإیراني، أنه تم استهداف وإسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيرة فجر اليوم بعد دخولها أجواء البلاد، وليس فوق المياه الدولية كما يدعي الجانب الأمريكي.
وجاء في بيان صادر عن الحرس الثوري الخميس، أن طائرة تجسس أمريكية من طراز "غلوبال هاوك" أقلعت في الساعة صفر و14 دقيقة من بعد منتصف الليل بتوقيت إيران من إحدى القواعد الأمريكية في جنوب الخليج، وخلافا لقوانين الملاحة الجوية تم عمدا إطفاء جميع الأجهزة المتعلقة بتعريف الطائرة وتوجيهها متبعة منتهى السرية، وواصلت مسارها من مضيق هرمز جنوبا نحو جابهار جنوب شرقي إيران.
وأضاف البيان، أن الطائرة وحين العودة نحو غرب المنطقة بادرت إلى اختراق الأجواء الإيرانية لجمع المعلومات والتجسس.
وتابع البيان، أنه وفي الساعة الرابعة و5 دقائق فجرا (بالتوقيت المحلي)، في الوقت الذي كانت هذه الطائرة تخترق فيه أجواء البلاد، تم استهدافها وإسقاطها بواسطة الدفاع الجوي للقوة الجو فضائية التابعة للحرس الثوري.
رواية أمريكية
اعتبر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن إيران ارتكبت خطأ جسيما.
وتقول أمريكا إن إيران أسقطت "بلا مبرر" بصاروخ أرض-جو طائرة بدون طيار أمريكية فوق مياه مضيق هرمز.
وقال الكابتن بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي، إن الطائرة التي أسقطت هي طائرة استطلاع، واصفًا ما حدث بأنه "هجوم غير مبرر على مورد (سلاح) استطلاع أمريكي في الأجواء الدولية".
ا
لأزمة النووية
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" قالت الأربعاء إن أحدث عملية لنشر ألف جندي أمريكي في الشرق الأوسط والتي أُعلنت يوم الاثنين تشمل كتيبة صواريخ باتريوت وطائرات مسيرة وطائرات استطلاع "وغيرها من قدرات الردع".
وقالت متحدثة باسم البنتاغون في بيان "الولايات المتحدة لا تسعى للحرب مع إيران لكننا مستعدون للدفاع عن القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة".
وشهدت العلاقات الأمريكية الإيرانية توترا وتصعيدا عسكريا من جانب واشنطن، وذلك بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 مع طهران، وبعدها الهجوم على ناقلتي نفط في خليج عمان قبل أسبوع.
وحملت واشنطن طهران مسؤولية هذا الهجوم بينما نفت إيران الاتهامات.
وزاد التوتر الاثنين، عندما قالت إيران إنها ستزيد من إنتاج اليورانيوم المنخفض التخصيب، وإن الأسبوع المقبل سوف يشهد زيادة مخزونها ليتجاوز الحدود التي وافقت عليها مع القوى الدولية في الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
وكثفت إيران إنتاج اليوارنيوم بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية وُصفت بالأشد على الإطلاق عليها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، العام الماضي.
وتزايدت المخاوف من حدوث مواجهة عسكرية بعد إسقاط الطائرة، والهجمات على ناقلتي نفط في خليج عمان الأسبوع الماضي، وأربع ناقلات أخرى قبالة سواحل الإمارات في 12 مايو/ أيار، قرب مضيق هرمز.