تقرير / أسعد أبو الخطاب
المخدرات ظاهرة اجتماعية جديدة تفشت في المجتمع اليمني الذي يعاني من التمزّق وويلات الحرب والصراع السياسي والأهلي ،. لا يبدو غريباً اليوم، في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية، الحديث عن سهرات السمر بين الشباب، والقصد طبعاً السهرات الجماعية التي يقومون فيها بتناول المخدرات ، وتتوارد إلى مسامع الجميع قصص مدمني المخدرات وتضحياتهم في سبيل الحصول على نشوة المخدر، التي يظنون أنها قد تعوض عما يعانونه من مصاعب وآلام الحرب.
انتشار وبائي بين الشباب
يشير الاختصاصيون إلى أن الشباب هم الأكثر عرضةً للوقوع في فخ الإدمان، إلا أن المواد المخدرة تعد خطراً على جميع الفئات الاجتماعية وجميع الأعمار ، ويرى الكثيرون أن السبب الأساسي هو التمزق الاجتماعيّ الناتج عن الحرب، ويعتبرون بعض البيئات حاضناً مثالياً للإدمان ، أن طبيعة المجتمع تساعد على إنتاج هذه الظاهرة ، يعلم الجميع أن الإدمان هو من آفات هذا العصر، وهو يصيب الدول المتقدمة والنامية والفقيرة "دول المجتمع الثالث"، على حدّ سواء ، حتى أن بعض المراهقين يندفعون إلى التجربة ظناً منهم أن شرب الحشيش أو المخدّر هو موضة شباب العصر".
ويضيف: "أعتقد أن هذه الظاهرة لا تزال ضمن نطاق معين يمكن تحديده، ولم تفلت الأمور من أيدينا بعد ، التوعية وملاحقة المروجين والتجار كفيلة بالحد من هذه الظاهرة ، بالرغم من كل ما يحدث ، أعتقد أنه على جميع النشاطات التوعوية أن تعول على وعي الشباب اليمني بدلاً من لومهم وأخذ دور الموجه والآمر".
ومن وجهة نظري "معظم الذين يتعاطون المخدرات خلال السنوات السابقة هم من غير المتعلمين والأميين، كما أن معظمهم كان من الطبقة الفقيرة ، أما اليوم فيوجد ازدياد ملحوظ في عدد المدمنين من الطبقات المثقفة والمتعلمة ، لست مع الاعتقاد الاجتماعي السائد بانتشار المواد المخدرة في المدارس والجامعات والمعاهد اليمنية ، لكن الإدمان يصيب اليوم المتعلمين وغير المتعلمين على حد سواء". ويفسر انتقال ظاهرة الإدمان إلى الفئة الواعية في المجتمع: "يسعى الأشخاص المتعلمون والطموحون تحديداً إلى تحقيق ذاتهم خلال سنوات شبابهم ، وعندما لا تساعدهم ظروفهم المحيطة ، ويشعرون بانسداد الأفق ، يلجأون إلى الإدمان ، لأن هذه الظروف تسبب لهم ضغطاً نفسياً أكثر من غيرهم. على عكس غير المتعلمين والبسطاء في المجتمع ، الذين يلجأون إلى المخدر كوسيلة للتسلية لا أكثر".
أن تعاطي الحشيش والعقاقير المخدرة بات شائعاً في الأوساط الشبابية المثقفة في أليمن، باعتباره رمزاً للتمرد والانفصال عن القيم التقليدية للمجتمع ، إذ بات الحشيش والمخدرات طقساً "ثقافياً" و"ثورياً" في تلك الأوساط.
ظروف الحرب والاكتئاب في أليمن دوافع للخطوة الأولى
يؤكد اختصاصيون أن الظروف النفسية الصعبة التي يعيشها اليمنيون اليوم زادت من حالات الاكتئاب ، ويندفع الكثير من مرضى الاكتئاب إلى تناول الحشيش المخدرات ، ومعظمهم يقدمون على هذه الخطوة في مراحل تسبق تشخيصهم أو معرفتهم بإصابتهم بالاكتئاب ، حيث يقومون البعض من مرضى اكتئاب تسهل مساعدتهم إلى مدمنين على حافة الهاوية".
يحدثني أحد الشباب عن أول سهرة جرب فيها المخدرات بالقول: "كنت مكتئباً بشدّة عندما ذهبت إلى أحد الأصدقاء بهدف الترويح عن النفس ، وجلسنا نتسامر ونشرب الشاي ، وفجأةً بدأت أعيش لحظاتٍ من الشرود والفرح ، وشعرت بالنشوة خلال نصف ساعة فقط ، لم أكن أعرف أن صديقي عمل مادّةً مخدرة كنوع من المزاح ، كما قال. أعجبني الشعور وبت أتردد إلى بيته بملء إرادتي ، تناولت حبة "يا القذافي"، وهو الاسم الشائع للعقار بين المدمنين. وانتقلت بعدها إلى تجربة حبّة "السعادة"، وهي تمنح شعوراً بالسعادة وعدم النعاس. ثم جربت عقاراتٍ أخرى لم أعرف تركيبها ، كانت توصل إلى النشوة الجنسية ، بدأت العلاج منذ ثلاثة عام 2016م، عندما اكتشف والدي الحالة المزرية التي وصلت إليها ، ولم أشف تماماً حتى الآن".
معظم المسلحون هم أغلب مستهلكي المواد المخدّرة ، ويبدو أن انتشار المخدّرات بين المقاتلين ، من طرفي النزاع في اليمن ، هو الظاهرة الأبرز مع استمرار الحرب اليمنية ، إذ بات تعاطي العقاقير المخدّرة وتدخين الحشيش أمراً مألوفاً حتى في معسكرات الجيش النظاميّ وفي صفوف بعض الجماعات الإسلامية.
ينتشر تعاطي المخدّرات بكثرةٍ بين المسلحين في اليمن، لأنه يمنح المقاتلين بعض النشوة في ظروف الحرب القاسية ، كما أنه يساعدهم على تخفيف التوتر والخوف أثناء الاشتباكات وتحت القصف ، وكثيراً ما ينفذ متعاطو المخدرات والحشيش أصعب العمليات وأكثرها خطورة برباطة جأش عالية ودون أن يرمش لهم جفن ، وغالباً ما يرمون بأنفسهم إلى الموت دون خوف أو وجل".
حيث يقوم مرتكبو المجازر والأعمال الوحشية بأفعالهم تحت تأثير المخدرات ، وعادةً ما يستغل القادة العسكريون انتشار المخدّرات بين صفوف جنودهم للسيطرة عليهم بشكلٍ تام ، وضمان طاعتهم لكل الأوامر مهما كانت صعبة أو وحشية وقاصية" بالتأكيد ، تسهم القوى المتصارعة في الأزمة اليمنية في انتشار ظاهرة تعاطي المخدّرات في المجتمع ، بل إنها كثيراً ما تعمل على الإتجار بها وتهريبها عبر الحدود ، لزيادة عائداتها المالية ، أو لتحقيق مكاسب شخصية لبعض الجنود والضباط.
كثير من يقوم بتهريب القات من الدول الحدودية والحشيش والمخدرات ، صرنا نصدره إليها بكميات كبيرة".
إدمان "الأدوية" في المرتبة الأولى
يعد توافر المواد المخدرة في السوق ، على اختلاف كمياتها وأنواعها ، أساس المشكلة ، إذ لا يصعب اليوم على المدمنين ، أو من يهمون بالتجربة ، الحصول عليها ، وقد نشّط انتعاش التهريب هذه الأيام حركة تهريب المخدّرات، فمن المهربين من يبيع بضاعته داخل اليمن ، ومنهم من يمرر بضائعه عبر البلاد ليوصلها فيما بعد إلى دول مجاورة ويعد كل من "الحشيش" و"حبة الفراولة" و"القذافي" أكثر هذه المواد انتشاراً ، وهي من المستحضرات الدوائية المصنعة محلياً ، والتي يعمل المدمنون بطرقهم الخاصة على الحصول عليها دون وصفات طبية ، أو يتم تهريب كمياتٍ منها من دول أخرى ، وهذا النوع الأخير أشد خطراً من العقاقير المصنعة محلياً ، لعدم الثقة بطبيعة المواد التي تدخل في تركيبه.
يتعاطى المدمنون هذه العقاقير بجرعات أكبر من الجرعات الدوائية المحدّدة ، فتسبب لهم حالة من فقدان الإدراك ، تشعرهم بالانفصال عن محيطهم ، وتمنحهم شعوراً بالسعادة واللذة. وقد أعلن فرع اليمن لمكافحة المخدّرات عن مصادرة كميات ضخمة من المخدرات خلال الأشهر الفائتة ، ويقول أحد الموظفين في الفرع ، رفض الكشف عن اسمه: "صادرنا في العاصمة عدن وحدها كميات كبيرة من الحشيش والهيروين والكوكايين والكبتاغون، إضافةً إلى اعتقال العشرات من المروجين والمئات من المتعاطين لهذه المواد ، تبلغ الكميات المصادرة ضعف الكمية المصادرة في ذات الوقت من السنة الفائتة 2019م ، وهذا مؤشرٌ خطيرٌ على انتعاش سوق التعاطي والإتجار".
مراكز العلاج وإمكانيات محدودة
مع إدراك الجميع لتفاقم هذه الظاهرة المرضية في المجتمع اليمني ، فلا وجود لأرقام وإحصائيات حقيقية تحدد بدقة عدد المدمنين أو حتى تقترب منه ، إضافة إلى غياب الجمعيات التي تعنى بمحاربة الظاهرة والبحث فيها ، ويبدو أنه في خضم الحرب الدموية التي تشهدها البلاد ، وأولوية تأمين مستلزمات الإغاثة والعلاج لمصابي الحرب والمحاصرين ، يعتبر الكثير من الناشطين في الشأن العام أن العمل على متابعة ظاهرة الإدمان هو من الكماليات التي لا يملك المجتمع اليمني ترف الاهتمام بها حالياً.