أهم انتخابات في التاريخ
يرى محللون سياسيون أن الرئيس ترمب سعى إلى أن يترك شعوراً يمكن للأمة الأميركية أن تتحد خلفه واعتبر في خطاب قبوله الترشيح الجمهوري للمرة الثانية أن الناخبين لم يواجهوا في أي وقت من قبل خياراً أوضح بين حزبين أو رؤيتين أو فلسفتين أو برنامجين انتخابيين بهذا التضاد، ولهذا فإن هذه الانتخابات هي أهم انتخابات تمر على الولايات المتحدة.
ولم يكتف ترمب من التحذير من تداعيات انتخاب بايدن، بل ذهب إلى أن ذلك يهدد أسلوب حياة الأميركيين وأن أميركا ستكون تحت سيطرة الصين التي يهادنها بايدن، كما سوف يستسلم المرشح الديمقراطي لفيروس كورونا بإعادة إغلاق الحياة الأميركية مما يهدد الاقتصاد والوظائف، فضلاً عن استسلامه لأجندة الاشتراكيين المتحالف معهم الذين سيفرضون ضرائب بقيمة أربعة تريليونات دولار وينزعون السلاح من الأميركيين على حد قوله، مطالباً الناخبين الأميركيين بإنقاذ الحلم الأميركي للحيلولة دون القضاء على منجزاته العديدة.
في المقابل، ردت حملة بايدن على خطاب ترمب واعتبرت أنه يقدم رؤية وهمية للولايات المتحدة، بدلاً من توضيح رؤيته في التعامل مع وباء كورونا، وقالت كيت بيدينغفيلد نائبة مدير حملة بايدن إن ذلك لا يشكل مفاجأة للشعب الأميركي.
استراتيجية الخوف
واعتبر خبراء في الاستراتيجية الانتخابية أن ترمب ومساعديه تعمدوا استخدام استراتيجية زرع الخوف من فوز بايدن أملاً في استعادة الغالبية الصامتة التي لم تحدد موقفها بعد، خصوصاً من الناخبين المستقلين في الولايات المتأرجحة التي تحسم نتيجة الانتخابات في نهاية المطاف من خلال المجمع الانتخابي.
وتقول المحللة الاستراتيجية كاثرين ووي إنه ربما كان هناك عدد من الجمهوريين المترددين من ناخبي يمين الوسط الذين قرروا الآن العودة إلى الحزب الجمهوري، لكن لا أحد يعلم عددهم على وجه اليقين.
وتشير كاتي غلويك من صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن هناك عدداً من المتحدثين في المؤتمر الذين استهدفت كلماتهم جعل المعتدلين يشعرون براحة أكبر لدعم ترمب، إلا أن العديد من الاستراتيجيين في كل من الحزبين يرون أن هذا سينتهي في النهاية إلى استفتاء على ترمب نفسه.
صراع الحملات
وتركز الحملات الانتخابية على تغيير آراء الناخبين المعتدلين والمترددين، ولهذا احتدم التنافس بين حملتي بايدن وترمب من حيث الإنفاق الإعلاني خلال الأسابيع الماضية، ففي الإعلانات التلفزيونية، تفوقت حملة بايدن بشكل كبير على حملة ترمب، وأنفقت حملة بايدن 57.7 مليون دولار على إعلانات التلفزيون في شهر أغسطس (آب) الجاري مقارنة بـ 24.5 مليون دولار أنفقتها حملة ترمب.
ولكن على العكس من ذلك، أنفقت حملة ترمب على إعلانات "فيسبوك" 22.8 مليون دولار، بينما أنفقت حملة بايدن 17.7 مليون دولار في أغسطس الحالي.
غير أن الحملة الإعلانية للرئيس ترمب والتي استمرت أشهراً عدة سعت إلى زرع الخوف بين سكان الضواحي، واستخدمت بعض مشاهد العنف الذي اتسمت به حركة الاحتجاج التي شهدتها شوارع المدن الأميركية في الصيف بعد مقتل جورج فلويد الأميركي الأسود تحت ركبة ضابط شرطة أبيض في مينابوليس.
تأثير متوقع
وخلال أيام المؤتمر الأربعة سعى الجمهوريون لكسب فئة الناخبين المترددين عبر طرح سلسلة من الموضوعات تُبرز أن الحزب الجمهوري يحتفي بالتنوع وليس عنصرياً، ولا يوجد مكان للاشتراكية في صفوف مؤيديه وقياداته، وأن أهم عناصر برنامجه الانتخابي هو الالتزام بتطبيق القانون والنظام، وهو المبدأ الرئيسي الذي سيوجه القيادة الحزبية الجمهورية في قادم الأيام.
ولكن من الصعب تقييم مدى تأثير التغير الحاصل في الحزب الجمهوري على استطلاعات الرأي وعلى السباق الانتخابي بشكل عام، إذ لا تزال هناك أسابيع تفصلنا عن موعد انتخابات نوفمبر، وعلى الرغم من أن بايدن يتفوق حالياً على ترمب على المستوى الوطني، إلا أن هذا الأمر قد يتغير، فلا أحد يستطيع أن يجزم كيف سينعكس المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري على تأييد الناخبين في صناديق الاقتراع.
ألعاب الأمل
ومثلما أنهى المرشح الديمقراطي جو بايدن مؤتمر حزبه الأسبوع الماضي بإطلاق ألعاب نارية من موقف للسيارات داخل مدينة ويلمنغتون، اختتم الرئيس ترمب المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري بإطلاق ألعاب نارية أكثر إبهاراً ومثيرة للإعجاب ولكن هذه المرة من أمام البيت الأبيض في قلب العاصمة واشنطن، في مشهد يقول المراقبون إنه استهدف بثّ روح من الحيوية والأمل في انتصار ترمب والجمهوريين خلال انتخابات الرئاسة المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.
غير أن الخطاب الذي ألقاه ترمب من داخل البيت الأبيض، ويعدّ واحداً من أطول خطابات قبول الترشيح في التاريخ الأميركي، إن لم يكن الأطول بالفعل، أثار حالة من الجدل كونها المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس أميركي البيت الأبيض وهو مبنى فيدرالي في عمل حزبي يقبل فيه ترشحه للانتخابات.
جدل حزبي
وعلى الرغم من أن الرئيس ونائبه محصنان من المساءلة القانونية في الولايات المتحدة، إلا أن عدداً من الباحثين يتوقعون أن يثير الكونغرس الأميركي إساءة استغلال موظفي البيت الأبيض، والأماكن الفيدرالية في نشاطات حزبية، خلال مؤتمر الحزب الجمهوري خلال الأيام الأربعة الماضية، بما قد يتحول إلى استجوابات من مجلس النواب خلال الأيام المقبلة.
وفي حين اعتبرت السيناتور الديمقراطية كلير ماكسكيل أن ترمب أخطأ في حساباته بهذا التصرف الذي سيضره مع الناخبين المستقلين، أوضح مايكل ستيل المسؤول السابق عن المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، أن البيت الأبيض يعتبر بيت الشعب، وأن ترمب ربما فعل ذلك لأنه يريد أن يرسل رسالة إلى الديمقراطيين أن الجمهوريين في البيت الأبيض وهم ليسوا كذلك، رداً على تلميحات سابقة من الديمقراطيين في عهد الرئيس أوباما.
رهان سكان الضواحي
وأوضحت خطة الرئيس ترمب وحملته لإعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية أن هدفها الرئيس هو استعادة تأييد سكان الضواحي خارج المدن في عدد من الولايات المتأرجحة التي انحرفت عن دعم الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2018، وظهر ذلك بوضوح في كل ليلة من الليالي الأربع للمؤتمر الوطني للحزب، عبر محاولة إعادة صياغة سجل ترمب بين الناخبين.
ولاحظ كثيرون الإشادات النسائية المتعددة بالرئيس ترمب، ومشاهد من لقاءات ودية مع المهاجرين ومع عائلة من عائلات الأميركيين الأفارقة، وقصص أخرى تظهر تعاطفه مع أشخاص تواصل معهم في أوقات اليأس.
اليمين وحده لا يكفي
وكان من الواضح أن المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري بذل قصارى جهده لتسليط الضوء على شخص الرئيس أكثر من أي مؤتمر سابق له، لكن هذه الاستراتيجية كانت في الوقت ذاته إقراراً من حملة الرئيس بأن مغازلة قاعدته اليمينية المحافظة لن تكون كافية وحدها للفوز بإعادة انتخابه، وأن الناخبين المترددين الذين أبدوا تململاً تجاه بعض سياسات ترمب خلال سنوات حكمه، لا يستجيبون بشكل معقول لاستراتيجية تركز بشدة على مهاجمة خصمه جو بايدن، وديمقراطيين آخرين باعتبارهم متطرفين راديكاليين.
ويقول مستشارو ترمب إنهم لم يرغبوا في تغيير رأي الناس بشأن الرئيس والتي لم تتغير كثيراً منذ توليه منصبه، لكنهم استهدفوا تذكير الناخبين في مناطق الضواحي خارج المدن بالسياسات التي دعمها ترمب، مثل تأييده منح الجنسية للمهاجرين الشرعيين، ومراجعة القوانين الجنائية المتشددة، ما يمنح هؤلاء الناخبين شيئاً يجعلهم يصوتون لصالح ترمب في صناديق الاقتراع يوم الثالث من نوفمبر المقبل.
دروس 2016 و2018
وفي عام 2016، أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب فاز بمناطق الضواحي خارج المدن الرئيسية بنسبة 49 في المئة مقابل 45 في المئة لهيلاري كلينتون، ما ساعد على تعويض نقص التأييد الكبير لترمب بين ناخبي المدن، وبحلول انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، استطاع الديمقراطيون اللحاق بالركب وحصل كل حزب على 49 في المئة من الأصوات في الضواحي خلال انتخابات مجلس النواب في ذلك العام، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
أما الآن، فقد أصبحت الموافقة على أداء ترمب كرئيس أسوأ بين سكان الضواحي عن سكان المدن، حيث أظهر استطلاع أجرته شبكة "فوكس نيوز" هذا الشهر أن 61 في المئة من ناخبي الضواحي خارج المدن رفضوا أداء ترمب كرئيس، بينما وافق 38 في المئة فقط، وبلغت نسبة التأييد بين نساء الضواحي على وجه الخصوص 34 في المئة فقط.
ولتحقيق الفوز في انتخابات نوفمبر المقبل، سيحتاج ترمب إلى تحسين أدائه في الولايات المتأرجحة مثل ويسكونسن وبنسلفانيا ونورث كارولينا، حيث ساعدت جاذبيته بين النساء البيض على الفوز بالانتخابات السابقة عام 2016 وحصل آنذاك على دعم 53 في المئة من النساء البيض، بما في ذلك 51 في المئة من حملة الشهادات الجامعية.
خطر الانشقاقات
لكن ما بدأ قبل أشهر كقطرة من جماعة "لا ترمب بعد الآن" تحول هذه الأيام إلى موجة تاريخية من انشقاقات أعضاء جمهوريين بارزين، وأعلن حوالى 500 من المسؤولين الجمهوريين الحاليين والسابقين معارضتهم لتولي ترمب ولاية رئاسية ثانية، الأمر الذي اعتبره المؤرخ الرئاسي مارك أبديغروف أنه غير مسبوق على الإطلاق.
ويشير المؤرخ أبديغروف إلى أن هذا الانقسام حول الرئيس والترامبية التي يمثلها طرحت أسئلة وجودية لدى قيادات جمهورية حول قضية هوية الحزب والولاء له، إذ بدا للكثيرين أن الحزب الجمهوري أصبح حزب ترمب الذي سيطر عليه تماماً بعد وصوله للرئاسة.
ويمثل هذا التيار إضافة إلى "مشروع لينكولن" المعارض للرئيس ترمب والذي يديره منشقون عن الحزب الجمهوري ويبث وينشر إعلانات مناهضة للرئيس، تهديداً لإعادة انتخاب ترمب لدورة ثانية على الرغم من التحسن الطفيف الذي طرأ على استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تقدماً نسبياً في شعبية ترمب في مواجهة خصمه الديمقراطي جو بايدن.