حصلت “العرب” على رسالة وجّهها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تتضمن انتقادات غير مسبوقة لأداء المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.
واتهم الرئيس هادي في الرسالة شديدة اللهجة والتي تتكون من خمس صفحات غريفيث بممارسة تصرفات مستفزة منذ توليه مهام عمله في اليمن.
وسردت الرسالة ما وصفته بتجاوزات المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن والتي بلغت “مستويات غير مسبوقة ضربت بعرض الحائط كل المرونة والتنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية لإنجاح مخرجات السويد”، كما تضمنت الرسالة اتهاما لغريفيث بـ“توفير الضمانات للميليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلة الأمم المتحدة”.
ولفتت الرسالة إلى إصرار المبعوث الدولي “على التعامل مع الانقلابيين كحكومة أمر واقع ومساواتها بالحكومة الشرعية” والحرص باستمرار “على لقاء منتحلي صفات حكومة لا مشروعية لها خارج إطار القرار الدولي 2216 الذي حدّد الطرفين الأساسيين فقط، وهما الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية وحلفاؤهم كطرف لا يملك أي صفة حكومية، ومحاولاته الدؤوبة خارج إطار القرارات الدولية لتوسيع أطراف الحوار عبر إصراره على إضافة ممثلين على طاولة المفاوضات في مسعى مشبوه لخلط الأوراق وتجاوز مخرجات مؤتمر الحوار الوطني”.
واتهمت الرسالة مارتن غريفيث أيضا “بضعف إدراك طبيعة الصراع الدائر في اليمن خاصة المكون العقائدي والفكري والسياسي للميليشيات الحوثية الرافض أساسا لمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وارتباطه الجوهري بفكرة الولاية”.
ولفتت الرسالة التي تعد وفقا لمراقبين تصعيدا خطيرا في توتر العلاقة بين الحكومة اليمنية والمبعوث الأممي، إلى توقف غريفيث عن التعاطي مع معظم محاور اتفاق السويد ومن ذلك ملف الأسرى والمعتقلين ورفع الحصار عن تعز، وعمله في المقابل على إطالة أمد الصراع في الحديدة عبر تجزئة الاتفاق، ومحاولاته في الآونة الأخيرة التوافق مع الحوثيين لتعزيز شكل من أشكال الإدارة الدولية في الحديدة، ما وصفته الرسالة بأنه تجاوز صارخ للسيادة اليمنية.
ووصف الرئيس هادي في رسالته لأمين عام الأمم المتحدة التي تنفرد “العرب” بنشر محتواها، إفادة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن في 15 مايو الجاري بأنها نموذج للخرق الفاضح للتفويض الممنوح لغريفيث، مشيرة إلى ما قالت إنه إشادة علنية بمجرم حرب، وذلك في إشارة إلى زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، وتقديمه كحمامة سلام وهو مدرج ضمن قوائم العقوبات الأممية، وفي المقابل تجاهل المبادرات التي تقدم بها الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار.
وواصلت رسالة الرئيس هادي التي تتضمن ما تعتبره تجاوزات قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن، سرد تلك التجاوزات التي جاءت في ثماني فقرات والتي تركز معظمها حول أداء المبعوث خلال الأشهر الأخيرة في ما يتعلق بتنفيذ اتفاقات ستوكهولم، من بينها تجاهله لآلية الرقابة الثلاثية المنصوص عليها في القرار 2451، كما كشفت الوثيقة عن اتفاق المبعوث الأممي مع زعيم الميليشيات الحوثية على تسليم موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى للأمم المتحدة دون إشراف الحكومة أو معرفتها.
وخلصت رسالة الرئيس اليمني إلى أمين عام الأمم المتحدة، إلى إعطاء الحكومة اليمنية ما وصفتها بالفرصة الأخيرة والنهائية للمبعوث الأممي مارتن غريفيث “لتأكيد التزامه الحرفي بالمرجعيات الثلاث في كل جهوده وإنفاذ اتفاق ستوكهولم على ضوئها وفي إطار المفاهيم المتعارف عليها للقانون الدولي والقانون اليمني في ما يتعلق بالتعامل مع السلطات”.
وتوقعت مصادر في الحكومة اليمنية أن تشهد العلاقة مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث المزيد من التوتر خلال الفترة القادمة، غير مستبعدة وصولها إلى مرحلة القطيعة الكاملة.
وأعقب التصعيد الرئاسي ضد المبعوث الأممي مطالبة هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني في رسالة كانت قد وجهتها الثلاثاء إلى الحكومة لإعادة النظر في التعامل مع المبعوث الأممي حتى يلتزم بالقرارات الأممية واتفاقات ستوكهولم.
ووصفت الرسالة مباركة غريفيث للخطوة الحوثية والتي تصفها بالمسرحية بأنها “تحد للقرارات الأممية، وموقف لا يساعد على الوصول إلى السلام”.
وقالت الهيئة في رسالتها إنّها “تابعت بقلق التطورات بشأن تنفيذ اتفاق السويد الخاص بانسحاب الميليشيات من الحديدة وموانئها، وما جرى في الأيام الماضية من مسرحية هزلية، سميت بانسحاب أحادي الجانب، في تكرار لمسرحية سابقة في 29 ديسمبر الماضي، ورفضها الفريق الحكومي ورئيس فريق المراقبين الأمميين السابق باتريك كاميرت”.
وأشار مراقبون إلى أن التحركات التي قام بها مجلس النواب والتصريحات المتزايدة للمسؤولين الحكوميين، التي تنتقد أداء الأمم المتحدة في اليمن، تطور جديد في سياق العلاقة المضطربة بين الطرفين وقد تكون تمهيدا لاتخاذ الحكومة موقفا علنيا للمطالبة باستبدال مارتن غريفيث في تكرار لسيناريو إقالة المبعوثين السابقين جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد اللذين تمت تنحيتهما من منصبيهما بعد أن تحولا جزءا من المشكلة اليمنية.
واعتبر الباحث السياسي اليمني فارس البيل في تصريح لـ“العرب” التطورات الأخيرة في العلاقة الملتبسة بين الحكومة والأمم المتحدة بأنها بمثابة الإعلان عن مرحلة جديدة من هذه العلاقة بعد أن ظلت الحكومة تخفي الكثير من هذه التوترات والضغوط.
ولا توفّر الانتقادات الحادّة لغريفيث بلده الأصلي بريطانيا التي تحوم شكوك حول وجود تأثير لها على طريقته في التعاطي مع الملف اليمني. وفي هذا السياق، طالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني الحكومة البريطانية بالتفريق بين مهمة المبعوث الأممي وجنسيته.
واعتبر الإرياني خلال لقائه أعضاء في مجلسي اللوردات والعموم البريطاني عن حزب المحافظين برئاسة وزير الدولة السابق لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت في لندن، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء اليمنية أنّ “تصريحات عدد من المسؤولين البريطانيين حول الأحداث الأخيرة في محافظة الحديدة وما رافقها من انسحابات أحادية الجانب من قبل ميليشيا الحوثي الانقلابية الموالية لإيران لم تكن موفقة”.