قالت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان في بيان أصدرته يوم الإثنين إنّه "يتوجب على السلطات الحوثية في اليمن أن تسمح فورا لخبراء الأمم المتحدة بالوصول إلى ناقلة نفط عملاقة راسية قبالة الساحل اليمني، بسبب خطر تسرّب ملايين البراميل من النفط الخام في البحر الأحمر".
وتقول الأمم المتحدة إنّ العواقب البيئية والإنسانية لمثل هذا التسرّب ستكون كارثية، وتشمل إغلاق ميناء الحُديدة وتدمير سبل العيش لملايين اليمنيين الذين يعتبرون هذا الميناء حيويا ويعتمدون عليه للواردات التجارية والمساعدات الإنسانية.
يذكر أن الناقلة المتهالكة، المعروفة بـ "صافر" والتي تملكها شركة "صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج" التي تديرها الدولة اليمنية، عالقة منذ 2015 على بعد خمسة أميال بحرية قبالة الساحل اليمني و32 ميلا بحريا من الحديدة، وهي مهددة بحدوث تسرّب نفطي.
وفي أوائل يوليو/تموز، قال الحوثيون الذين يسيطرون على المنطقة إنّهم سيسمحون للأمم المتحدة بتقييم الموقف، لكن حتى 24 يوليو/تموز، لم تكُن الأمم المتحدة قد تلقّت الموافقات الضرورية لصعود موظفيها على ظهر الناقلة.
ونقل بيان المنظمة عن جيري سيمبسون، المدير المساعد في قسم النزاعات والأزمات في هيومن رايتس ووتش قوله "تؤخّر السلطات الحوثية بلا مبالاة وصول خبراء الأمم المتحدة إلى ناقلة النفط المتهالكة التي تهدّد بتدمير أنظمة بيئية بأكملها والقضاء على سبل عيش ملايين اليمنيين الذين يعانون أصلا في ظلّ الحرب. أرفع الخبراء الأمميين على أهبّة الاستعداد لمنع حصول ما هو أسوأ، وينبغي السماح لهم فورا بالصعود إلى الناقلة".
وكان رئيس اللجنة الثورية لحركة أنصار الله الحوثية، محمد علي الحوثي،قد طالب في 21 يوليو/ تموز الجاري عبر تغريدة على تويتر، بتدخل طرف ثالث دولي لحل مسألة ناقلة النفط، وحمل المجتمع الدولي المسؤولية عن أي كارثة قد تحدث.
يذكر أن الناقلة تحمل حوالي 1,1 مليون برميل من النفط الخام، ويربط أنبوب طوله 430 كيلومترا بين الحقول النفطية في محافظة مأرب والناقلة.
وكان النفط ينقل سابقا من الناقلة إلى سفن أخرى لتصديره، إلى أن استولى الحوثيون على الخطّ الساحلي المجاور في أوائل 2015.
ومن المعروف أن الصراع في اليمن يشمل تحالفا بقيادة السعودية يدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ضدّ القوات الحوثية التي تسيطر على معظم المناطق في شمال ووسط البلاد، بما في ذلك الحُديدة.
وحوّل النزاع، بالإضافة إلى عقد من الأزمات السياسية والاقتصادية، البلاد إلى ما تصفه الأمم المتحدة بـأسوأ كارثة إنسانية في العالم.
ويعتمد اليمن على الواردات التجارية والمساعدات للحصول على نحو 80-90 في المئة من احتياجاته الأساسية، وتدخل حوالي 70 في المئة منها إلى البلاد من خلال ميناء الحديدة.
و منذ 2015، لم تستطع شركة صافر تحمّل كلفة صيانة الناقلة، مما أدّى إلى تآكلها وإلى تراكم خطير لغازات قابلة للانفجار فيها.
ويقول خبراء إنّ عدم إجراء صيانة للناقلة منذ 2015 ألحق بها أضرارا لا يمكن إصلاحها.
وفي 15 يوليو/تموز 2020، حذّرت الأمم المتحدة من خطر انفجار قد يؤدّي إلى تسرّب معظم أو كامل كمية النفط إلى البحر الأحمر.
وفي اليوم نفسه، شدّد رئيس وكالة الأمم المتحدة البيئية على الضرر المحتمل الذي قد يتسبّب فيه تسرّب نفطي.
وقال إنّ تسرّبا مماثلا قد يدمّر الأنظمة البيئية للبحر الأحمر والتي يعتمد عليها حوالي 30 مليون إنسان، بمن فيهم على الأقلّ 125 ألفا من صيادي السمك اليمنيين و1,6 مليون شخص يعتمدون أصلا بشكل كبير على المساعدات الإنسانية.
و قالت الأمم المتحدة أيضا إنّ تسرّبا قد يدمّر 500 كيلومتر مربّع من الأراضي الزراعية يستغلها نحو 3 ملايين مزارع، و8 آلاف بئر ماء، كما أنّه قد يخلّف مستويات مضرّة من الملوثات الهوائية تؤثر على أكثر من 8 ملايين شخص.
وأضافت المنظمة أنّ "تسرّبا قد يغلق مينائي الحُديدة والصليف حتى ستة أشهر، ما قد يؤثر بشكل خطير على قدرة اليمن على استيراد 90 في المئة من الأغذية والمساعدات الأساسية الأخرى والسلع التجارية التي يحتاج إليها".
وأشارت جهات أخرى إلى الخطر الذي يشكّله تسرّب مماثل على مصانع تحلية المياه في السعودية، والتي يعتمد ملايين الناس عليها للحصول على مياه الشرب.
وقد يشل التسرّب أيضا أحد أكثر مسارات الشحن التجاري ازدحاما في العالم عبر البحر الأحمر والتي يمر عبرها حوالي 10 في المئة من حجم التجارة العالمية.
وأفاد برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأنّه، نظرا لعمر ناقلة صافر وحالتها، يشمل الخيار الأسلم لتأمين سلامتها على الأرجح إزالة النفط، وقَطر الناقلة إلى ميناء آمن، وتفكيكها بطريقة غير مضرّة بالبيئة.
وقال البرنامج "ستشكّل الاستجابة إلى تسرّب نفطي من ناقلة صافر تحديا رهيبا بشكل خاصّ. الناقلة راسية قرب إحدى أكثر مسارات الشحن التجاري ازدحاما في العالم على مشارف منطقة حرب. أي عملية تنظيف سريعة ستنطوي على ديناميات سياسية وإقليمية معقّدة، وقد تؤخّرها على الأرجح التدابير المتصلة باحتواء تفشي فيروس كورونا".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ أثر أي تسرّب نفطي على سبل العيش، والوصول إلى الماء والطعام، وأسعار النفط قد يُفاقم كثيرا الأزمة الإنسانية في اليمن.
وكانت الأمم المتحدة قد قدّمت للحوثيين إثباتات بأنّ التسرّب النفطي من الناقلة سيقضي على معيشة الصيّادين وغيرهم من الذين يعتمد عليهم ملايين الأشخاص للحصول على الطعام.
وقالت المنظمة "ينبغي أن يتصرّف الحوثيون لحماية حقوق جميع الناس على الأراضي التي يسيطرون عليها، بما في ذلك الحقّ في الحياة، ومستوى معيشة ملائم، والصحة، والغذاء، والمياه. بموجب القانون الإنساني الدولي، لديهم التزام بتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية للسكان المعرضين للخطر".
وفي 29 يونيو/حزيران، طالب مجلس الأمن الدولي الحوثيين بـ"السماح بالوصول غير المشروط والفوري للخبراء الفنيين في الأمم المتحدة لتقييم حالة ناقلة النفط، وإجراء أي إصلاحات طارئة ممكنة، وتقديم التوصيات للاستخراج الآمن للنفط".
وبعد أسبوعين، عبّر منسّق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة مارك لوكوك أمام مجلس الأمن عن مخاوفه من "حلقة البيروقراطية" للحوثيين و"وعودهم المنكوثة بالسماح لخبراء الأمم المتحدة بالصعود على متن الناقلة."
وقال إن على السلطات الحوثية أن تُصدِر فورا تصاريح لأعضاء فريق التقييم الأممي لتسهيل وصولهم إلى ناقلة النفط، وأن تتّبع توصيات الأمم المتحدة لتأمين الناقلة ونفطها.
وقالت المنظمة إن على إيران التي تدعم الحوثيين أن تحثهم على التعاون مع الأمم المتحدة.
وأضافت أن "على الدول الإقليمية، بما فيها جيبوتي، ومصر، وإريتريا، والأردن، وعُمان، والسعودية أن تعمل بشكل وثيق مع الأمم المتحدة لتحديد طُرق للمساعدة في إقناع الحوثيين على التعاون".
وقالت إن "على مجلس الأمن أن يُعلِم الحوثيين بأنّ عدم معالجتهم للمسألة بسرعة قد يفضي إلى عقوبات إضافية تستهدفهم".
وقال سيمبسون حسب ما جاء في بيان هيومان رايتس ووتش "ينبغي أن تدرك الحكومات القلقة بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن الخطر الناجم عن ناقلة صافر وتضغط لتفادي مأساة أكبر. رفض الحوثيين المستمرّ للسماح للأمم المتحدة بالوصول إلى الناقلة قد يؤدّي إلى عواقب مدمرة على البيئة والناس في اليمن والمنطقة بالإجمال".