في جلسة نقاش كنت حاضراً فيها قال أحد الأصدقاء المسؤولين في الحكومة اليمنية : على الرغم من مساوئ الدكتور بن دغر إلا أنه كان أفضل رئيس وزراء مر على كل حكومات الجمهورية اليمنية .. ولم يقُل صديقي المسؤول مثل هذا الكلام إلا لرؤيته كل ما جرى ويجري في بلدنا بعد رحيل الدكتور أحمد عبيد بن دغر ، برغم معرفتي بالصداقة الحميمة التي تجمع بين ذلك المسؤول في الحكومة اليمنية ورئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك ولكنه قال كلمة حق مع إعتراضي عليه بعبارة "مساوئ الدكتور بن دغر" .
كان يقصد الصديق المسؤول بعبارة مساوئ الدكتور أحمد عبيد بن دغر حينما كان رئيساً للوزراء هو عطاؤه المستمر لكل مستحق أو من جاء يشكو حالته ، فلم يكن الدكتور بن دغر يمنح أي منحة مالية أو علاجية لأي مسؤول بل كان يمنح لمن يستحقها من المواطنين ، وكانت إنسانيته هي من تدفعه لهذا العطاء وبصلاحياته القانونية أو الدستورية الممنوحة له ، وأنا أشهد له بواقعة واحدة لمستها وعشتها بنفسي حينما ذهبت إليه وطلبت منه مساعدة لطفلة مريضة لا أكُن لها بأي قرابة كانت على وشك الوفاة وسارع بمنحها مبلغ مالي وتذاكر سفر لها ولوالديها وتابع الموضوع بنفسه ، ولله الحمد تم إنقاذ حياة الطفلة بفضل الله تعالى ثم برحمة وإنسانية الدكتور أحمد عبيد بن دغر "فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" .
إن تحدثنا عن وطنية رمز الإنسانية الدكتور أحمد عبيد بن دغر فلا أحد يستطيع أن يزايد عليه بوطنيته ، ويعلم الله لولا وطنيته لكان إلى يومنا هذا متربعاً على كرسي الحكومة كرئيس للوزراء ولكنه حينما قال *لا* لقوى الإحتلال لاسيما في واقعة جزيرة سقطرى فرقص وإبترع على ترابها معبراً عن إنتصاره لسيادة الدولة اليمنية ، حينها جَنَّ جنون قوى الإحتلال فحاربته بشتى الوسائل والسبل وأوعزت إلى مطابخها الإعلامية مدفوعة الثمن بمهاجمته والتشكيك بأمانته ووصفته بالمسؤول الفاسد ، ودعمت إدعاءاتها بالإتهام الكاذب لمحافظ عدن السابق *الثرثار* له بسحب مبلغ خاص بالمحافظة عدن تحت مبرر عدم أحقيته بسحب المبلغ "لنا وقفة في مقام آخر بهذا الشأن" ، مع العلم أن المحافظ السابق كان على تواصل مع قيادات إماراتية وحسب ظني موضوع المبلغ وإستقالته كانت من ضمن الخطة للإطاحة بالدكتور بن دغر ليتخذ فخامة رئيس الجمهورية موقف أو إجراء ضده ، ثم أوعزت إلى أدواتها الرخيصة بوقفات إحتجاجية ومظاهرات بإسقاطه وحكومته وحينما فشلت أشارت لمليشياتها التابعة للمجلس الإنتقالي بإقتحام قصر المعاشيق ، فأبدا شجاعة الرجل الصلب الذي لا يهتز له جفن ووقف وقفة بطولية ولم يتزحزح قيد أنملة ولم يغادر قصر معاشيق متحدياً تهديدات قوى الإحتلال ومليشياتها المسلحة .
قال القائلون السفهاء بأن فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي أقال الدكتور أحمد عبيد بن دغر من منصبه وأحاله للتحقيق حينما إنبعثت رائحة فساده ، وجوابي لهم إن كانت الإقالة حينها بسبب الفساد كما تدعون لما عينه فخامته بمنصب مستشار خاص له فكيف لرئيس جمهورية يعين مسؤول مستشار خاص له وهو يُعَد من الفاسدين ؟ ، وآخرون ذهبوا بعيداً بآرائهم وقالوا أن فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي إمتثل أو إنصاع لدويلة الإحتلال بإقالة الدكتور أحمد عبيد بن دغر وهم لا يفقهون بالسياسة ولو قيراط واحد ، ففخامته ليس بهذا الغباء السياسي وليس بهذا الخضوع أو الإذلال وليس بهذا الجاحد الذي يتخلى عن رجاله الأوفياء والمخلصين والمؤمنين بمشروعه "اليمن الإتحادي" ، بل إن فخامته يُعَد مدرسة متكاملة في السياسة ورجل صنديد شامخ ووفي لرجاله الأوفياء ولم يقيل الدكتور أحمد عبيد بن دغر إلا أولاً ليحافظ عليه "قد يكون من الإغتيال" لزمن قادم في دور ما ، وثانياً حتى لا تكون فتنة عظيمة في حينها ستكتوي بنارها الشرعية وتذهب كل جهود فخامته أدراج الرياح ولن يستفيد منها إلا مليشيا الحوثي الإنقلابية والمجلس الإنتقالي ومليشياته الإنفصالية .
أتذكر أنني ذهبت لزيارة حبيب الجماهير الدكتور أحمد عبيد بن دغر بعد إقالته بيومين وشاهدت إزدحام زواره في مكتبه حتى أنني رأيتهم يدخلون للسلام عليه أفواجا ، ولاحظت في ملامحهم الحزن والأسى على مآل حبيبنا الدكتور بن دغر فقال لهم كلمة تكتب بماء الذهب : كلنا راحلون .. قد نرحل عن الدنيا قبل مناصبنا وقد ترحل مناصبنا عنا ونحن على قيد الحياة ولكن الوطن باقي لا يرحل إلا بإنتهاء الدنيا ، وفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي هو قائد مسيرتنا وربان سفينة الوطن ويحمل مشروع سامي وعادل لكل أبناء الشعب اليمني وكل قراراته صائبة غير مشكوك بها ، وواجب علينا أن نقف معه ونشمر عن أيادينا لندافع عن مشروعه "اليمن الإتحادي" ، ونحن نثق في فخامته بأنه سيذهب بسفينة وطننا الغالي للمرسى الآمن وسيحقق مشروعه "اليمن الإتحادي" ، وبعد كلمته المعبرة إنسابت دموعي بغزارة فلم أستطع مواراتها إلا بِكَفَّي فزاد إعجابي بهذا الرجل وإحترامي وتقديري بوطنيته ووفائه لقائده ووطنه ، وأتذكر قبل وداعه ومغادرتي مكتبه إختليت به وقلت له ويتملكني اليقين : ثق يا دكتور أحمد بأن لك دور قادم ومهم جداً لثقتي المطلقة بحنكة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وقراراته ، وهاهو اليوم يعود مجدداً الدكتور أحمد عبيد بن دغر ليستلم ملف إتفاق الرياض وليس ذلك فحسب بل سيعود لمكانه المناسب ، فالحكومة اليمنية خسرت الكثير من الملفات التي إكتسبتها سابقاً بعد رحيله ولن يعيدها لحظن الدولة إلا ثعلب سياسي ورمز وطني وإنساني بحجم الدكتور أحمد عبيد بن دغر وعودته باتت ضرورة مُلِحَّة .