عكست الثورة اللبنانية مدى هيام العربي بالمرأة ،وكشفت عن حالة من الحرمان العاطفي عند شعوب المنطقة ،فأصبحت المرأة اللبنانية محور اهتمامه أكثر من اهتمامه بالثورة اللبنانية ذاتها، اهتمام تجاوز دائرة الساسة، فانشغل به العوام والخواص على حدِِ سواء، ،وأصبح تناقل مقاطع الرقص،وهزَّ الوسط أبرز الأحداث التي يتداولها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ، وتحولت المنظمات الحقوقية من توثيق الجرائم، والانتهاكات، ومصادرة الحقوق، والحريات إلى توثيق حفلات الرقص التي تتخلل المظاهرات بين الفينة والأخرى،اهتمام طغى حتى على معرفة حضور الأحزاب اللبنانية، وفرزها، والبحث في مواقفها تجاه ماتمر به لبنان،فلم أُعدْ أسمع عن حزب الله ومقاومته وسلاحه ،ولا التيار الوطني الحر وتبريراته، واصلاحاته الاقتصادية،ولا الحزب التقدمي الإشتراكي اللبناني ومداهناته ومراوغاته، فيبدو أن عصب عيني جنبلاط الجاحظتين قد شُلَّ من شدة النظر ،والتركيز في أجساد المومسات وهنَّ يتمايلنْ يمنة ويسره ،وانعقد معها لسان حسن نصر الله الألثغ أصلًا فزادته لثغةً والتواء !
حتى الحكام العرب توقفوا عن الاهتمام بأبعاد الثورة،وأسبابها، وتداعياتها على دولهم؛ على غير عادتهم في كل مرة، في البحث عمَّن يقف خلفها ، أو الإشادة بها ،أو التحذير من خطرها .
لقد شلت حركات العاهرات اللاتي يعرضن مفاتنهن على شاشات التلفزة حواس، وعقل المتابع العربي، وتوارات وسط ضجيج قهقهة أصواتهن كل المصطلحات،والاتهامات المتبادلة التي تعودنا على سماعها، كالشيعة،والسنة،والإسلامين والليبراليين،والمحافظين، والحداثيين ،بل شطبت أسماء دول من قاموس التدوال رغم أنها لاتزال موجودة على الخارطة العالمية،فَيُخَّيَلُ إليك أن زلزالًا دَكَّ المنطقة دكًا ،فتوارت على أثره من خارطة الوجود دول كانت تسمى السعودية، وقطر،والإمارات وإيران، وتركيا ،فلم نعد نسمع الاتهامات المتبادلة بين دول المنطقة، واتهاماتها المعهودة لبعضها ،حتى صار المتابع العربي يشتاق لسماع النفوذ السعودي،والتدخل الإيراني،والصراع الاقليمي،بل أصبح أكثر شوقًا لسماع كلمة إسرائيل المحاذية للبنان، فلم نعد نسمع عنها ،ولا التحذير من خطرها،يبدو إن اليهود قد عاد كل منهم إلى البلد التي أتى منها؛ ولم نسمع بذلك بسبب الصمم الذي أصاب أسماعنا جرَّاء الأصوات التي تصدرها خلاخل الراقصات .
حتى الربيع الإخواني تساقطت أوراقه جرَّاء الصقيع الأخواتي،وانتقل العرب من ربيع الإخوان المسلمين،إلى خريف الأخوات الراقاصات،إذ لم تحذَّر أي دولة من التدعايات السلبية، أو تشيد بالثمار الايجابية لخريف الأخوات، كما أشادت بعض الدول،وحذَّرت أخرى من ربيع الإخوان؛وتداعياته الخطيرة على المنطقة .
يبدو أن صقيع خريف الأخوات جَمَّدَ عصب جسد المواطن العربي حتى لم يستطع أن يغلق فاه،أو يحرك شفتاه، أو يرد بصره .
فهل أصبح من الضروري أن تتقدم الأنظمة العربية مجتمعة بمسودة قرار للأمم المتحدة؟ لوقف المومسات عن هزِّ أوساطهن،ووقف التمايل بأكتافهن،ومنعهن من أمتطاء أعناق الفتية،لانقاذ شعوبها التي أوشك الصقيع الأخواتي أن يجمَّد الدماء في عروقها ،مما ينذر بكارثة إنسانية وشيكه في المنطقة في حال استمرت الثورة اللبنانية .