ربما تكون الخطوة الجزائرية دليلاً ونموذجاً يقتدى به في هذا الظرف الصعب الذي تعيشه الأمة من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق.
في مقال سابق منشور في هذه الزاوية كنتُ قد تناولت أهمية ما يتمتع به الشعب الجزائري الشقيق من وعي يفوق بما لا يقاس الوعي السياسي في بقية الأقطار العربية، والدليل الأخير على ذلك، هو ما نراه اليوم من انزياح المشكلات التي اعترضت طريق هذا الشعب ونجاحه في إقامة حكومة تتفق عليها كل الأطراف المعنية في هذا البلد ذي التضحيات التاريخية العالية.
وعندما ننظر إلى معاناة بقية الأقطار العربية، وما يعترض طريقها من خلافات لا تؤدي إلى قيام نظام مستقر يفتح الطريق للبناء ولتحقيق الأهداف التي طال انتظارها، فإن الاتفاق على إيجاد حكومة قادرة على تجاوز المشكلات الخطرة ما هو إلاّ الخطوة الأولى في طريقة تصحيح السلبيات ومواجهة التردي المستشري في الواقع السياسي، من جهة، وفي واقع الناس من جهة ثانية.
وربما تكون الخطوة الجزائرية دليلاً ونموذجاً يقتدى به في هذا الظرف الصعب الذي تعيشه الأمة من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق.
اللافت للانتباه هو أن المشكلة التي تعانيها أقطارنا العربية متماثلة في أسبابها ومكوناتها، ونجاح قطر عربي كالجزائر يُعطي الأمل في خروج بقية الأقطار من دوامة الأزمة الراهنة القائمة على حالة «اللاتوافق». ونحن على ثقة تامة بأن وجود الحد الأدنى من التوافق في بلدان عربية، مثل تونس وليبيا وسوريا وغيرها، كفيل بأن يخفف من خطورة تلك الأزمة ويفتح الطريق واسعاً تجاه الجهد الشعبي ودور المنظمات السياسية في إيجاد الحلول المجتمعية الرافضة للأوضاع المستشرية حالياً.
ولا أشك في أن ما يحدث في الجزائر سيكون النموذج الأقرب إلى التمثل والاعتبار. وفي ارتقاء الوعي وإدراك ما وصلت إليه بعض أقطارنا من التدني المخيف ما يجعل في الإمكان الخروج من المعاناة الراهنة والانطلاق نحو التغيير المنشود.
والسؤال هو: هل كانت أقطارنا التي تعاني تنتظر بداية الحل من خلال ما يحدث في الجزائر؟ إنْ كان الأمر كذلك، فقد صار الطريق مفتوحاً وميسوراً وصار بمقدورنا أن نتجاوز حالة المعاناة وننتقل خطوة أوسع وأكبر نحو الاستقرار والبحث الجاد عن الحل الشامل الذي سبقت الإشارة إليه أكثر من مرة في هذا الحديث القصير، الذي يستوحي معانيه من الواقع بكل ملابساته وخلافاته، وبكل ما يمتلئ به من إحباطات وانكسارات.
وليس من الهتاف المرذول أن نصرح بحرارة وصدق «عاشت الجزائر»، وصار ما تقوم به نموذجاً يقتدى به في الواقع العربي المفتت والرافض لكل ما من شأنه أن يغير ملامح الحياة، ويفتح أمام أبناء الأقطار العربية طريقاً للتحرر من عبودية الاستسلام لحالة الركود والموات وما يصدر عنهما من تخلف فاضح ومريع. وليس على الله بعزيز أن يوحد شمل أقطارنا المفتتة ويعيد إليها التوافق والوئام.